مقالات

اللاجئ الارتري بين رفض حكومته ونسيان العالم : حامد إدريس دلشاي *

26-Sep-2006

المركز

لقد جبل الإنسان علي حب الأوطان والتشبث بمراتع الصبا ومرابع الأسلاف ومن الفطرة التي غرزها في الإنسان الحنين إلي الدار التي ولد وعاش بها لا يرضى لها بديلا ولا يقبل بها عوضا مهما كانت ظروف التمسك بها قاسية .

وإرتريا قد حباها الله بموقع استراتيجي جاذب جعلها محط أنظار قوي الهيمنة فتعاقبت عليها الاستعمارات المتتالية تستهدف إذلال إنسانيتها ونهب ثروتها وكان أسوأ استعمار شهدته الاستعمار الإثيوبي الذي عمد إلي إفراغ الأرض وإخلائها من ساكنيها فمارس كل أساليب القهر وجرب شتي وسائل البطش والابادة الجماعية وتدمير البني التحتية والإرهاب المنظم وجرف القرى وحرقها وتخريب المدن وابادة الثروات الطبيعية والحيوانية وقد بلغت جبروت المستعمر اقسي دراجتها في منتصف الستينيات من القرن المنصرم الأمر الذي دفع بأعداد كبيرة إلي ترك ديارهم واللجوء خارج أرضهم وقلوبهم تقطر دما ونفوسهم تعتصرها الأحزان على فراق ترابهم تحت ضغط الموت والدمار الشامل والحقد الأسود والذي ظلت تنفذه الآلية الإثيوبية انفاذا لشعار نريد إرتريا خالية من ساكنيها فاتبعوا سياسية الأرض المحروقة وصبوا جام غلهم علي الشعب الإرتري فامطره حمما من سلاح جوه وأطلق يد جيشه البربري فاستخدموا كل أنواع السلاح المشروع والممنوع . وقد كان السودان وجهة الغالب الأعظم من اللاجئين وقد أستقبلهم الشعب السوداني بأريحية وكرم فياض وجاءت المنظمات الإنسانية بعد حين وأقامت لهم المعسكرات الإيواء ووفرت لهم الخدمات الضرورية وقدمت لهم الإغاثة العاجلة ووفرت لهم مقومات الحياة كالحماية الأمنية ومياه الشرب والمستشفيات ودور العلم . وبعد جلاء المستعمر وتحقيق الاستقلال الذي كان اللاجئون احد عناصره الأساسية حيث كان لهم جهدهم المقدر في النضال دعماً وتأييدا ودفعوا ضريبة الحرية بدماء بنيهم وفدوا حريتهم بأغلى ألاثمان فجادوا بأموالهم وأنفسهم ورضوا بحياة التشرد والتقرب عن الديار وقاسوا ويلات العذاب ومرارة اللجوء والحرمان وما قدموه من تضحيات جمة كان في سبيل الحرية والانعتاق ، وقد كانوا يحلمون بتحقيق النصر ويتوقون لرؤية الوطن عزيزا مهاب الجانب ويتحرقون شوقا للعودة إليه وإعادة بنائه وتعميره والحياة فيه برفاهية في سلام دائم واستقرار تام . غير أن أحلامهم وإدت في مهدها وطموحاتهم تبخرت وذهبت أدراج الرياح نتيجة تنكر حكومة أفورقي لأدوارهم ومجاهداتهم ووضع العراقيل في طريق عودتهم وتخلت المنظمات الإنسانية عن مسؤولياتها تجاههم وقررت رفع صفة اللاجئ عنهم بزوال العامل الذي أدي بهم إلي اللجوء الأمر الذي فاقم معاناة اللاجئين وزاد من مآسيهم وتراكم الأهوال عليهم ، حيث أنهم قبل أن يفيقوا من صدمة إعراض النظام عنهم تلقوا المفاجئة من الأمم المتحدة ممثلة في المفوضية السامية لشئون اللاجئين بفقد الرعاية ووجدوا أنفسهم في العراء وسط نفق مظلم وظروف معيشية قاسيه ومعاناة لا ترحم ومآسي متراكمة لا تعرف النهاية .وإزاء هذه الأوضاع المتردية البالغة التعقيد كان لابد من اللجوء إلى إنشاء كيان يتولى النهوض بمصالحهم ويملا الفراغ الذي خلفته تلك الأوضاع ويقوم بعبء الدفاع عن حقوق اللاجئين والدفاع عنهم وإيصال صوتهم إلى المجتمع الدولي ويخاطب ضمير الشعوب والمجتمعات والمنظمات الإنسانية ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الإنسانية تجاههم ويتبنى قضاياهم ويعبر عنهم فكان ميلاد ملتقى ألاجئين في المهجر في عام 1997م لضرورة ملحة حتمتها الظروف وأملتها الضرورة فعقد ممثلوا اللاجئين لكل المعسكرات . المؤتمر التأسيسي للملتقى في تظاهرة مشهودة بقاعة الصداقة بالخرطوم وسط حضور كثيف من جماهير اللاجئين وممثلى المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان وقطاعات كبيرة من الهيئات والفعاليات الشعبية وتشكل الملتقى كيانا تطوعيا ذا طابع إنساني مستقل التوجه يعنى بقضايا اللاجئين ويرعى شؤونهم وينهض بمصالحهم ويدافع عن حقوقهم ولكن جاء لتعالج الاوضاع في زمن الخطأ . وفور إنفضاض المؤتمر عكفت القيادة التي إنبثقت عن المؤتمر في إجتماعات متواصلة شهدت أروقته حركة دؤوبة وانتظمت أنظمته في تدارس أوضاع اللاجئين وإجراء الدراسات والإحصاءات الدقيقة والتصورات وحصر الإحتياجات وإعداد الخطط التفصيليه لمعالجة الأزمات ، ونظم الملتقى بزيارة ميدانية وقف خلالها على حجم المعانات والاحتياجات والمشاكل التي يعيشها اللاجئون في المعسكرات ،كما قام الملتقى بالتواصل مع المنظمات الإنسانية والجهات ذات الصلة والمهتمين بشؤون اللاجئين في الداخل والخارج . واستطاع الملتقى أن يوصل صوت اللاجئين إلى المجتمع الدولي وحذر من خطورة النتائج التي قد تترتب على إغلاق ملف اللاجئين دون معالجة جذرية وأوضح حجم الأضرار التي لحقت باللاجئين جراء تخلى المفوضية السامية عنهم وإحجام المجتمع الدولي عن تقديم الخدمات لهم . وقد عقدت وفود الملتقى عددا من الملتقيات والمنتديات مع اللاجئين والإدارات ومؤسسات المجتمع المدني للتشاور في أمر اللاجئين ووضع حدا لمعاناتهم كما عقد الملتقى عدة جلسات مع المنظمات الدولية وقدم مذكرات تفصيلية للمفوض السامي لشؤون اللاجئين ومسئول شئون الحماية وقام وفد عالي المستوى بزيارة النرويج لبحث قضايا اللاجئين مع الجهات المسئولة وإبراز معاناة اللاجئين وقد كان لتلك الجهود مردودا ايجابيا تمثل في إعادة النظر في برنامج العودة الطوعية ودراسة نتائجها حيث واجه العائدون إلي أرض الوطن مصاعب كبيرة وتعرضوا لمضايقات وسجون وتصفية حسابات من قبل سلطات النظام ، كما استطاع الملتقي أن يتصدى لظاهرة الاختراقات والاغتيالات التي تعرض لها اللاجئون في المعسكرات من قبل عصابات الإجرام التابعة لحكومة أفورقي أن يضع الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها في حماية أرواح اللاجئين داخل المعسكرات الآمنة .كما استطاع أن يستصدر قرار الفحص القانوني للاجئين الجدد من الشباب الهارب من المفوضية التي كانت لفترة طويلة ترفض مجرد الاعتراف بهم وتمديد فترة الانقطاع ومعالجة العديد من الإشكالات التي كانت تواجه اللاجئين ، كما أنه سعي في أقناع الجهات ذات الاختصاص بفتح معسكرات استقبال للهاربين من نير النظام عقب الحرب الحدودية التي أشعلها النظام مع إثيوبيا في 98 ــ 2000م وطالب بايقاف برنامج العودة الطوعية الذي كانت تروج له المفوضية السامية في ظل اعلان طبول الحرب بين الدولتين ارتريا واثيوبيا . وإجمالاً يمكن القول أن جهود الملتقي أثمرت ، حيث أبقت ملف اللاجئين مفتوحاً وقضية اللاجئين حية قيد التداول والدراسة وهذا في حد ذاته كان يمثل تحديا كبيراً وهماً ثقيلاً وتحقيقه يعتبر إنجازاً وخطوة متقدمة في الطريق ورغم ما ذكر من انجازات الملتقي لا زال التحدي ماثلا امام الجميع حيث ضم المعكسرات وتقليصها بحيث لا يتجاوز عددها أكثر من 4 معكسر في كل السودان بدلا من الاعداد الحالية وهذا يعني بشكل واضح تكريس للمعاناة واضافة أعباء علي السودان وإنزال وفرض قرار الانصهار المحلي دون رغبة اللاجئين والسودان. الآن يعتزم الملتقي عقد مؤتمره العام الثاني وفي أجندته توسيع نطاق الاتصال والتواصل مع المجتمع الدولي والتصدي للمعاناة التي بدأت تتعقد بشكل يومي والتبصير بحجم الأضرار التي يتعرض له شعبنا في المخيمات والتدفقات الهائلة التي تعبر الحدود من الداخل جراء الأوضاع المعيشية القاهرة والاضطهاد الذي يمارسه نظام أفورقي وضيق المعاش وإنعدام أدني مقومات البقاء في الداخل وسياسات الكبت والاستبداد الذي ظلت تتبعه حكومة الشعبية تجاه الشعب الإرتري الهارب من الجحيم حيث ظل حالهم كمستجير بالرمضاء من النار . هذا وتنتهز فيادة الملتقي هذه السانحة وتهنئ الشعب الإرتري بمرور ذكري سبتمبر المجيدة ويحي كفاح الشعب الإرتري ونضال أبطاله الأشاوس عامة ويحي بوجه خاص جماهير اللاجئين ولجان المعسكرات والاعيان والشيوخ لدورهم الكبير في التصدي لتلك المخططات التي كانت تستهدف قضيتهم الانسانية العادلة ويثمن تضمانهم القوي مع الملتقي . ونناشد كل أبناء الشعب الإرتري وأصدقائه وأشقائه للوقوف مع قضية اللاجئين والإسهام في إنجاح برامج الملتقي حتى يقوم بواجباته تجاههم لأن الوقوف مع اللاجئين يعتبر واجب انساني اخلاقي ولا يعني بأي حال من الاحوال استعداء لأي جهة أو مجموعة ما، ولا يعترينا أدني شك لكريم استجابتهم كما عهدناهم دوما عطاءاً وبذلا ونوالاً . كما نعبر عن شكرنا وتقديرنا للسودان الشقيق الذي تحمل أعباء اللاجئين وفتح لهم أراضيه وشاركهم لقمة العيش الكريم لأكثر من عقود أربعة فلهم التحية والتجلة ونؤكد علي أن عودة العلاقات بين إرتريا والسودان هي في مصلحة الشعبين الذين تربطهم أواصر ألقربي وعوامل الجغرافية والتاريخ ووحدة الدين والمصالح المشتركة وهي رصيد للاجئين ولن تكون خصما عليهم .قبل الختام نورد هذه الملاحظات الهامة :وهي تتمثل في عوامل محلية ذات الاوضاع المتأزمة حيث وجدت المفوضية السامية الفرصة مواتية للهروب والتخلي عن المسئولية باقناع الولات بالشرق ببند الانقطاع وتأهيل المناطق المتأثرة بوجود اللاجئين عبر ما عرف بالكتاب الازرق فوجدت ضالتها تماما وأصبح غالب وعودها لهم سراب حيث لم يجنو من تلك الوعود سواء القليل من السيارات وبعض المباني في بعض المعسكرات فان هولاء الاخوة نظروا في حل ضايقتهم الحالية ليحلوها بتلك العقارات المتحركة والثابتة ولم ينظرو لحجم المشاكل وتفاقمها الذي سيضاعف عبء جديد علي اعبائهم بهروب وتخلي المفوضية السامية عن اللاجئين وهم في تزايد مستمر والاسواء من ذلك يتم كل هذا والجهة المختصة والمسئولة عن اللاجئين باتفاقيات معروفة لم تحرك ساكن وتطلب اعادة النظر لخدعها للقوانين والاتفاقيات المبرمة بين المفوضية وحكومة السودان ممثلة في معتمدية اللاجئين لما تشكله هذا المسألة من أزمة مستقبلية وحالية لاسيما وهي التي كانت ممسكة بملف اللاجئين بأكثر من اربعة عقود .أصبح وضعها اليوم ينتابه شئ من الركود لوجود عامل الازدواجية بين المعتمدية والولايات الشرقية وبهذه اصبحت الرؤية الاستراتيجية نحو قضية اللاجئين لم تجد حيزها المناسب من الاهتمام والطرح علي مستوي المعتمدية والولايات مما ظهرت علي السطح ولاول مرة مطالب واضرابات لعمال المرافق الخدمية بمعسكرات اللاجئين يطالبون باستحقاقاتهم عبر اضراب وهم حتي الان لم يجدوا حلا لمطالبهم من المفوضية كأن الامر لا يعنيها إننا لا نشفق علي ما آل إليه حال المعتمدية بل نشفق علي المستقبل المجهول الذي ينتظر اللاجئين الارتريين وهنا نناشد الاخوة بالمعتمدية والولاة بالولايات الشرقية لمداركة وضع اللاجئين قبل انسحاب المفوضية . رحم الله الاخ شاش كان يدرك حسن التعامل مع هذه الجهة وكان يتصدي في حينها لمثل هذه الحالات وكان يحرص دائما بمصلحة السودان وأهله وضيوفه اللاجئين .الأمين العام لملتقى اللاجئين الارتريين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى