مقالات

تونس .. الثورة الملهِمة : عبد الله محمود*

25-Jan-2011

المركز

وفرت ثورة تونس ، التي تمكنت من إسقاط أكبر الديكتاتوريات في العالم العربي ،مادة دسمة لوسائل الإعلام ولخبراء التحليل السياسي للحديث عن اشتراطات الانتفاضة على الأنظمة الديكتاتورية ومدى توافق الحالة التونسية مع سائر الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي و إفريقيا . وسنحاول مقارنة هذه الحالة مع أكبر الأنظمة بطشاً في القرن الإفريقي .

تتشابه الحالة الإريترية مع الحالة التونسية في الكثير من الجوانب فالرئيس الإريتري قد أمضى على كرسي الحكم 20 عاماً بالتمام والكمال بينما أمضى نظيره التونسي بن علي ثلاث وعشرين عاماً إلا أن الفرق يكمن أن بن علي ظل يجدد دوراته الرئاسية بانتخابات حيث أقام خمس انتخابات رئاسية – رغم شكليتها وعدم نزاهتها أما افورقي فإنه يعتبر الديمقراطية والانتخابات رجس من عمل الغرب واجب التجنب .
ومن المعلوم أن النظام التونسي من أكبر الأنظمة المنتهكة لحقوق الإنسان وذلك بتكميم أصوات المعارضة وملاحقة السجناء السياسيين بعد إطلاق سراحهم وكبت حريات التعبير والصحافة والرقابة على الإنترنت ومنع حرية التجمع والتظاهر بالمقابل فالنظام الإريتري يمتلك سجلاً يعد الأسوأ في انتهاكات حقوق الإنسان حيث تحتفظ المعتقلات السرية في إريتريا بآلاف المعتقلين لسنوات تتجاوز خمسة عشر عاماً او يزيد دون تقديمهم لمحاكمات ،ودون أن يعرف ذويهم مكان اعتقالهم ،ودون أن يسمح للمنظمات الحقوقية العالمية من تفقد أوضاعهم مع تردد أنباء بوفاة أعداد منهم تحت التعذيب وغياب الرعاية الصحية ،وسوء الأوضاع في المعتقلات .
أما مجال الحريات الإعلامية وحرية التعبير فإن الحكومة الإريترية قد أغلقت جميع الصحف المستقلة في 2001م وحظرتها، وما زال أكثر من 15 صحفياً رهن الاعتقال منذ ذلك التاريخ بل أضافت إليهم أعداد أخرى من الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام المملوكة للدولة ، والمشهد الإعلامي في إريتريا يتخلص في صحيفة واحدة بحجم التابلويد مملوكة لوزارة الإعلام تصدر لعدة أيام في الأسبوع وتترجم إلى أربع لغات وهي التجرنية والعربية والتجري والانجليزية . كما أن مقاهي الإنترنت تشهد رقابة بواسطة أفراد الأمن الإريترية منعاً لتصفح المواقع الالكترونية التي تنتقد الحكومة الإريترية ، كما أن الصحفيين الذين يتم احتجازهم للتحقيق يجبرون على الإدلاء بكلمات مرور بريدهم الإلكتروني بغرض الرقابة ، أما عن حرية التجمع والتظاهر والأحزاب فهي لا تخطر على بال احد في إريتريا لجهة استحالتها .
فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي فإن الاقتصاد الإريتري يعد الأسوأ في إفريقيا بأسرها من حيث الغلاء وعدم توفر السلع الضرورية واحتكار الدولة للأنشطة الاقتصادية بمختلف أنواعها كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تزايد حدة الفقر في إريتريا حيث يتجاوز معدل الفقر نسباً عالية .ويعد برنامج الخدمة العسكرية الإلزامية غير المحددة بسقف زمني إبداع خالص للديكتاتورية الإريترية لا مثيل له بين جميع حكومات دول العالم حيث يتم إلزام الشباب الذين تجاوزوا سن الثامنة عشر بالتوجه إلى معسكرات الخدمة الإلزامية لينالوا قسطاً من التدريب العسكري ثم يتم توجيه بعضهم لخنادق القتال المنتشرة في جميع أرجاء إريتريا فيما يتم توجيه البعض الآخر إلى شق الطرق وتشييد المباني الحكومية وغيرها من الأنشطة الإقتصادية التابعة لشركات الحزب الحاكم دون أي مقابل مادي ، ويظل الشاب رهن الخدمة العسكرية غير المحددة بسقف زمني طوال سنوات عمره ولا يتم تسريحه مهما كانت الظروف.
مما سبق نخلص إلى أن جميع الظروف الموضوعية قد نضجت في الحالة الإريترية بشكل يفوق الحالة التونسية ، إلا أن الظروف الذاتية لم تصل إلى ذات المستوى بعد ، فالشعب الإريتري آثر اللجوء للاحتجاج السلبي بالهروب الجماعي إلى دول الجوار ( السودان وإثيوبيا ) الذي تتزايد أعداده يوماً بعد يوم ، علاوة على تدني معدلات التعليم في إريتريا مقارنة بتونس ، ووجود جميع قوى المعارضة الإريترية –قيادة وقاعدة- خارج بلادها بسبب بطش النظام الإريتري ، وعدم وجود قوى نقابية حقيقية قادرة على تحريك الشارع الإريتري .
كل هذه الظروف مجتمعة تعمل على تأخير تطبيق النموذج التونسي في الحالة الإريترية ، ولكن بالعمل الجاد وتوعية الشعب باستخدام وسائل الإعلام المتاحة للمعارضة الإريترية في الخارج وخاصة الإذاعي منه والمرئي ( الفضائية ) وتبني خطاب إعلامي موجه يهدف لاستنهاض روح الثورة الشعبية وإعادة ثقة الشعب الإريترية بنفسه التي هزتها آلات القمع الوحشية واستدعاء التاريخ النضالي المشرق يمكن تجاوز هذه العوائق والوصول إلى المنشود.
* نشر في صفحة نافذة على القرن الإفريقي – صحيفة الوطن السودانية – الجمعه 21يناير2011م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى