مقالات

دولة إريتريا بعد ثمانية عشر عاماً من التسلط الأفورقي :عبدالماجد موسى / لندن

25-May-2009

المركز

ثمانية عشر عاماً منذ أن إنتزعت إريتريا إستقلالها عن إثيوبيا واستلم أفورقي مفاتيحها نيابة عن الشعب الإريتري الذى دفع من حياته ولمدة ثلاثين عاماً دماءً وأموالاً وأرواحاً لينال هذا الإستقلال الباهظ والموجع ولكن كل ذلك هان من أجل إريتريا وحرية شعبها الذى كان يتطلع لدولة يجد فيها نفسه ومستقبله الذى كان يحلم به ولكن أفورقي وبعد ثمانية عشر عاماً من الفشل والإنحراف المتعمد عن المسار الصحيح الذى كان من الممكن أن تسلكه الدولة الوليدة وتنأى بنفسها وشعبها عن المخاطر الآنية والمستقبلية لازال يمارس غيه فى مغامرات ونظريات عفا عليها الزمن وتجاوزها التاريخ .

إريتريا بعد إستقلالها لو كان يدري أفورقي لم تكن فى حاجةٍ أبداً إلى أي نزاع من أي نوع ومع أياً كان مهما كانت الأسباب والمسببات ليس خوفاً من أحد ( لا سمح الله ) ولكن حفاظاً على ما تبقى من روح ودماء وكرامة هذا الشعب من ناحية وبذر ثقافة جديدة بعيداً عن البندقية التى أدت دورها على أكمل وجه فى وقتها المطلوب وبالتالى وجب وضعها على ( الرف ) حتى تكتسب الدولة الجديدة ثقة جيرانها وصداقتهم إقليمياً ومن ثم دولياً لتاخذ مكانها الطبيعي بين الدول وتستثمر خبراتها وخبرات أبنائها المنتشرين فى كافة أنحاء المعمورة للنهوض السليم بدولتهم حديثة التكوين ، ولكن أفورقي الذى يُنظر للدول من حوله فى الحلول الناجعة لهم ( وللخلفوهم ) لم يقرأ الماضي جيداً ولم تستطع عقليته المظلمة أن تقرأ الحاضر أيضاً وبالتالى فشل فشلاً فاضحاً فى قراءة المستقبل ، فبعد مرور كل تلك السنوات من حكمه المتسلط لا زالت إريتريا تحبو على ركبتيها بالرغم من أنه فتح أبوابها وشبابيكها لدرجة الإستباحة فى السنوات الأخيرة حتى تتدفق عليها الإستثمارات وخاصةً الخليجية وبالأخص قطر والإمارات والسعودية والكويت ولكن اللافت للنظر أن هذه الدول لم تعطه إلا مواعيد ( عرقوب ) وهي تشيعه من مطار إلى آخر بإبتسامة مرسومة بعناية و( طبطبة ) على الظهر و ( تبويس ) إن دعت الضرورة ولا تنفذ من وعودها إلا القليل وبأموال الزكاة التى لا تسد جوعاً ولا تبل شفاها وبعد إلحاح من السفراء أو قل القائمين بالأعمال فى القنصليات هنا وهناك ، وحتى حكومة الإنقاذ التى وعدته بالكثير إن هو قفل أبواب ( الصداع ) فى أسمرا لم تنفذ شيئاً يذكر وأصبحت تماطله بشتى الأعذار لذا رأيناه فى اللقاء الذى أجري معه على التلفزيون السوداني وهو يعتب على الحكومة الإنقاذية بطريقةٍ غير مباشرة بعد أن دب اليأس فى أوصاله وخيم الإحباط على ملامحه إذ ذكر بأن الحدود مفتوحة بين البلدين ولكن لاشئ يذكر فى مسألة التجارة الحدودية من ناحية وتعبيد الطرقات وربطها بالسودان من ناحية ودخول رأس المال السوداني إلى بلاده كما إتفق الطرفان ، وكذا الحال مع بقية الدول العربية فلا مشاريع أو إستثمارات جديدة ولا علاقات دبلوماسية متميزة بعد أن هرب الدبلوماسيون الإريتريون من سفاراتهم وطلبوا حق اللجوء فى الخارج ، وكل الذى يعرضه التلفزيون فى الذكرى الثامنة عشر هو صور ومقاطع فيديو تعود لسنواتٍ خلت حتى يداري بها الحقيقة المرة التى تتراءى حوله وهو يعلم علم اليقين أنه لا يخدع إلا نفسه ، فحتى زمرته التى تسانده الآن تعلم مدى فشله وفشل مخططاته ولكنها لا تملك سوى المضى معه إلى ما يريد إتقاءً لشره حتى يجدوا فرصةً للهرب فيهربوا مع الهاربين فأي فشل أسوأ من هذا وأي مستقبل ينتظره الشعب الإريتري من هذا الرجل ؟ومن ناحية أخرى فان موضة الظهور على التلفزيونات التى يمارسها أفورقي بكثافة هذه الأيام توحى وكأن الرجل قد إكتشف فجأةً أنه معزول ولا أحد يعرف عنه ولا عن نظامه الإستبدادي سوى ما صرح به فى أيامه الأولى متحدياً كل الدول وخاصةً العربية فبدأنا نشاهده فى أحاديث مكررة ومملة وجوفاء تنحصر مفرداتها فى ( الأجندة الخارجية ، التدخلات الأجنبية ، المناخات الملائمة ، العمالة للإستخبارات ) بطريقةٍ يائسة لتحسين صورته السابقة وهو يجوب بها القنوات شرقاً وغربا ، فنراه فى قناة العربية وما أن ينتهي منها حتى نشاهده فى قناة الشروق وفضائيته الإريترية فى نفس الوقت ولا تمضى بضعة أيام إلا ونرى حواراً آخر له على قناة العالم ثم يقفز إلى فضائية المنار ويعود للقناة السورية قبل أن ينتهى به المطاف فى قناة الجزيرة قبل أن يعرّج على الفضائية السودانية وكل تصريحاته وما يعتقدها أفكاراً هي مجرد أحاديث عامة ليس فيها جديد يذكر ومغالطات ولف ودوران ولم يأخذ بها أحد حتى الآن وستظل كذلك مادام هو نفسه لا يعمل بها مع الأطراف الأخرى داخل البلد أو مع خصومه فى المعارضة خارجها ، والغريب فى الأمر أن أفورقي يتحدث فى مقابلاته تلك عن السودان وطرق إيجاد الحلول له أكثر مما يتحدث عن إريتريا وكيفية معالجة المشاكل العويصة التى أوجدها هو بنفسه وكأن معرفته بإريتريا وشعبها لا تتعدى نظرته القاصرة والفاشلة التى لا تبارح مكانها ، وإن إستمر أفورقي بهذا النهج والنهم للظهور فى الفضائيات سيحترق قريباً لأن الفضائيات تكشف العورات أكثر مما تسترها . أفورقي هو الحاكم الوحيد فى أفريقيا الذى يرأس الدولة وفى نفس الوقت هو المتحدث باسم رئيس الدولة وهو بالطبع وزير الخارجية ووزير الداخلية والدفاع والناطق الرسمي باسم القوات المسلحة ووزير الإعلام ، فكل حدثٍ أوحديث تلفزيوني يجب أن يكون هو من يقوم به وكل مقابلة من تلكم المقابلات الخاصة التى أصبحت ( زى الهم على القلب ) يجب أن تكون معه سواءً كانت باللغة التيغرينية أو بالإنجليزية أو العربية أو حتى لغة الطير فهو ما شاء الله عليه يفهم فى كل صغيرة وكبيرة !!وكما عودنا أفورقي على النكران لكل شئ إبتداءً من نكران المعارضة إلى نكران رفقاء السلاح إلى نكران وجود أزمات حقيقية داخل إريتريا ليس أقلها تعذيب المعتقلين أوقتلهم داخل السجون ، تماماً كما مارس هذا النكران مع الإنقاذ فى السابق ، فهاهو ينكر إتهام الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة له بدعم الفصائل المناوئة للحكومة الصومالية الحالية بقيادة شريف الذى ترك أسمرا مغاضباً فى وقتٍ سابق بعد أن علم بنوايا وأهداف سياسة أفورقي تجاه الصومال والمنطقة ، وأفورقي يلتف كعادته عندما يُواجه بمسألة دعمه هنا وهناك وقد ذكر فى إحدى لقاءاته تلك أنه يقف مع الشعب الصومالي فى نضاله ضد القوى الأجنبية ( وهو يعنى الوجود الإثيوبي آنذاك ) ولكن الآن قد سقطت حتى هذه الحجة وإن كانت واهية أصلاً لأن هدف أفورقي هو تصفية حساباته المتبقية مع الرئيس الإثيوبي ملس زيناوي أو إستنزافه فى حرب طويلة ولم يجد مكاناً أو بيئةً صالحةً أفضل من الصومال للقيام بذلك ، أما الدعم الذى يحتاج إليه الصوماليين فى إعتقادي ليس بتوفير السلاح أو مساعدتهم على شراءه ولا بتغليب فئة على أخرى بل يكمن فى مساعدة اللاجئين والنازحين والهاربين والمرضى من هذا الجحيم الذى يطوقهم من جميع الإتجاهات وإيجاد المأوى الآمن لهم بإستضافتهم على الأراضي الإريترية حتى لو تم فتح جسر جوي مع دولة ثالثة وبمساعدة دولية إن تعذر البحر والبر إلا أن أفورقي لا يمكن أن يفعل ذلك ولايتوقع منه أحدا أن يقوم بمثل هذه الإقتراحات لأنه بكل بساطة لا يريد خيراً لا لبلاده ولا للصومال ولا لغيره من الدول فى المنطقة ، ولن يغفر الشعب الصومالي للرئيس الإريتري إن إتضح مستقبلاً أنه كان السبب الرئيس فى إذكاء نيران القتال والفتنة وعدم الإستقرار التى تمر ببلادهم .الرئيس الإريتري أفورقي وغيره من المناضلين ضد الإستعمار أو ضد الأنظمة الإستبدادية فى أفريقيا لهم رسالة ودور لا ينكره أحد ولكن يجب أن يتوقف ذلك الدور بعد بلوغ الهدف المنشود مباشرة أو بسنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة حتى يظل سجل ذلك المناضل ناصعاً ومحترماً من قبل الشعب والأنظمة المتعاقبة بعد ذلك تماماً كما أسس نيلسون مانديلا لمثل هكذا ثقافة لأن السلطة مغرية بطريقة بشعة ودائماً ما تجعل الرؤساء والقادة والثوار ينحرفون عن جادة الصواب وخاصةً فى إفريقيا وهم يحسبون ذلك إمتداداً للنضال وجزءً من إكمال المشروع الذى بدأوه وهو فى الحقيقة ليس إلا تلويثاً لكل ما قاموا به من إنجازات وإنحداراً رهيباً بعد بلوغ القمة النضالية التى يجب أن يتوقفوا عندها أو ينهوا أعمالهم أو يسلموا الراية للأجيال القادمة لتواصل المسيرة بعقلية جديدة وبعيدة عن الحروب و ( المناقرات ) والصراعات البينية فى الداخل ، وفى حالة أفورقي هذه يجب عليه أن يعترف بالفشل الذى يلف إريتريا من كل الإتجاهات سواءً السياسي منها أو الإقتصادي أو الزراعي ووصولاً إلى السياسي وبالتالى يجب عليه أن يتنحى طواعية حتى يحفظ له الشعب الإريتري سجله النضالي كيفما كان ذلك السجل ويترك المجال لقادة آخرين ذوى عقلية منفتحة وقابلة للأخذ والرد مع بقية المواطنين وأعتقد أن حواء الإريترية قادرة على إنجاب ألف قائد وقائد يدير دفة البلاد ويعيد توازنها قبل أن يصل هذا الأفورقي بالبلاد إلى حيث لا يمكن الرجوع دون خسائر تكلف الأجيال القادمة ما يمكن تفاديه الآن بوقفة صادقة مع النفس ليس إلا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى