مقالات

شركاء مع وقف التنفيذ !؟ (2- 3)عمر جابر عمر

11-Dec-2010

المركز

1.حول الوطنية والشراكة – ليس هناك من يولد وهو وطنى بالفطرة يحب وطنه ويرتبط به ويضحى من أجله. ذلك يتوقف على جملة من العوامل الثقافية والأجتماعية والتربوية والدينية والأتصال والتواصل مع المحيط الجغرافى ما يؤدى الى نمو الوعى الوطنى تدريجيا. لذا لا يمكن أن نقول أن المسلمين كانوا بفطرتهم وطنيين وأن المسيحيين كانوا ينظرون الى اثيوبيا! أبناء أكلى قزاى مثلا تحت قيادتهم الأجتماعية والسياسية ( رأس تسما – ولدآب ولدماريام) كانوا ينادون بوحدة ( تقراى- تقرنية)– أى ارتريا مع اقليم تقراى !

كنوع من التحدى للآسرة المالكة الأثيوبية. وبعد أن وجدوا أن تنفيذ المشروع أصبح مستحيلا تمسكوا بالفدرالية ثم أخيرا انضموا الى الكتلة الأستقلالية . أبناء حماسين بالمقابل كانوا فى عداوة تاريخية مستمرة مع تقراى – ثم جاء عامل آخر اقتصادى وهو وعد اثيوبى بأرجاع أراضيهم التى استولى عليها المهاجرون من تقراى أثناء غيابهم فى خدمة الجيش الأيطالى – كان الخيار واضحا – الى اثيوبيا! ما تبقى من قومية التقرنية كانت تحكمه العلاقات الأجتماعية والثقافية مع من هم وراء الحدود بالأضافة الى نفوذ ودور الكنيسة الأرثوذكسية التى أرتبطت روحيا وسياسيا بالقصر الملكى فى أديس أببا.وماذا عن المسلمين؟ كان لأيطاليا وبريطانيا دورا محسوسا فى تشكيل مواقف المسلمين— ولكنهم لم يتوقفوا هناك – بل أرسلوا وفدا الى السودان للتشاور مع السيدين على الميرغنى وعبدالرحمن المهدى. اتفق الرجلان – لأسباب مختلفة— على أن الأستقلال هو الخيار الأفضل للمسلمين!ورغم ذلك كان هناك أنصار التقسيم والوصاية الأيطالية وحتى أعضاء فى حزب الوحدة ( اندنت).بعد القرار الفدرالى أصبح الدور الأثيوبى هو المهيمن ليس على حركة النخبة المسيحية فحسب بل وعلى مجمل الوضع السياسى فى ارتريا. تعاقب القوى الأستعمارية على ارتريا ترك موروثا ثقيلا من ثقافة اثبات الذات وانكار حق الآخر ما جعل العقل الأرترى الجمعى يعيش فى شك دائم فى مكوناته الداخلية وينساق وراء مراكز الجذب الخارجية. اذا تفحصنا الخارطة الجيوبوليتيكية لأرتريا لوجدنا أن فى أرتريا أقليات ترتبط بأمتداداتها خارج الحدود – ( التقرنية – العفر — الرشايدة الخ) كذلك المسلمين امتدادهم الدينى خارج ارتريا ( السودان ) أكبر وأكثر قدرة على الجذب.2-اللغة العربية— لم يكن الآباء فقط هم من كانوا يجهلون أهمية اللغة العربية للمسلمين بل ان الأبناء لم يكونوا بأفضل منهم. عندما بدأت جبهة التحرير— لم يكن هناك فرد واحد من قومية التقرنية لا فى القيادة ولا فى صفوف المقاتلين – رغم ذلك تم تثبيت اللغة التقرنية فى دستور الجبهة كلغة رسمية الى جانب العربية.لماذا؟ انه وعى مبكر بأهمية الثوابت الوطنية التى ألغتها اثيوبياوتطبيقا عمليا لمبدأ المشاركة. ولكن بالمقابل فان الجبهة الشعبية عام 1976 لم تذكر اللغة العربية لا من بعيد ولا من قريب وأصبحت التقرنية لغة أمر واقع فى أنشطة التنظيم. ذلك كان مظهرا مبكرا من مظاهر بروز شوفينية التقرنية ونهجها الأقصائى.3- المذابح – جميل أن يعترف الشريك بما جرى لأخوتهم – ولكن الأهم ليس هو من تضرر أكثر بل ماذا كان مردود تلك التضحية؟ أبناء قومية التقرنية بدأت مأساتهم عام 1974( باعترافهم)وانتهت عام 1991 بعد التحرير – الخاسرون بدأت مأساتهم عام 1961 وما زالت مستمرة حتى اليوم؟! صحيح لقد لحق بهم الرابحون بعد 2001 ( لجوء – اعتقالات – قتل ) وهذا لا يخفف من مأٍساة الخاسرين بل يضاعفها لأنه تجاوز مرحلة المقارنة الثنائية وأصبح عاما وشاملا ما يعنى أن المشروع الوطنى برمته أصبح فى خطر؟4-التآمر مع ويانى تقراى ضد جبهة التحرير؟ اذا كان ذلك مشروعا ومباحا لماذا يصرخ أنصار النظام اليوم اذا تحالفت المعارضة الأرترية مع ويانى والهدف ليس تصفية وتدمير ولكن استعادة الديمقراطية؟الجبهة الشعبية هى التى تحالفت سياسيا وعسكريا مع ويانى تقراى لتصفية فصيل وطنى ارترى. الجبهة الشعبية هى التى قدمت ( بادمى ) هدية الى ويانى تقراى لتمارس فيها نشاطها وتجعلها منطلقا لعمليا تها العسكرية,الجبهة الشعبية هى التى وقعت اتفاقية استراتيجية بعد الأستقلال مع الحكومة الأثيوبية التى تقودها ويانى تقراى.ماذا جرى الآن – لماذا أصبح صديق وحليف الأمس عدو اليوم؟5- تكوين الدولة ؟ أصبحت فى هذا الحال لأن الآخرين خارج وطنهم؟ هذا تزييف وتدليس مئات من الخريجين من البلاد العربية عادوا الى البلاد ولكنهم حرموا من الوظائف بسبب عدم معرفة اللغة التقرنية! مئات من قيادات وكوادر المنظمات الأرترية عادوا ولكنهم اما أصبحوا فى السجون أو اختفت آثارهم. مثال على هذه التركيبة التى لا تتناسب ونسبة السكان: فى التقرير السنوى لمدير مركز ( ساوا للتدريب العسكرى والسياسى) لعام 2008 بلغ عدد المدربين والمشرفين الأداريينأثنان وعشرون – اثنان منهم فقط من القوميات الأخرى والبقية من قومية التقرنية! المعلمون والمرشدون السياسيون سبعة وأربعين – سبعة فقط من القوميات الأخرى والبقية من قومية التقرنية.هذه ليست هيمنة فحسب بل هى نفى تام والغاء للآخر – واذا تواصلت الهجرة المعاكسة فى معدلاتها الحالية فسيبقى صاحبنا ( أو من يورثونه) يديرون محطة على شاطىء البحر الأحمر تقدم الخدمات والأسعافات الأولية لضحايا القرصنة فى جنوب البحر الأحمر! تلك هى نبوءة مجموعة الأزمات الدولية حول نهاية الدولة الفاشلة – وهى ليست أمنية مواطن غيور على وطنه.6- التغيير الديمغرافى— انه يتم بحسابات دقيقة ومدروسة – لا مجال فيه للصدفة. الكثافة السكانية لقومية التقرنية هى فى المداخل والمخارج: تسنى وعلى قدر على الحدود التى تسيطر على التجارة والمناطق الزراعية الخصبة( الثروة) . ثم مصوع وعصب حيث العمالة والتصدير والأستيراد. أما الوسط ( كرن وأغردات ) يكفى وجود ادارات تمسك بمراكز القرار – أما العاصمة حيث المسلمون يقدرون ب20% فهى تحت السيطرة التامة عسكريا وأمنيا واقتصاديا.7- الأرض – هل هى بلا صاحب؟ كلا – أصحابها فى الجوار السودانى والنظام رفض اعادتهم حتى تبقى الأرض بلا صاحب ويعطيها لأتباعه ومؤيديه. اذا كانت حرية الحركة حق مشروع فان الأستيلاء على أرض الغير ليس حقا لأحد.8- الأحتفالات بالأستقلال؟ – ذلك كان وعيا بأهمية العام وأفضليته على الخاص والدائم على المؤقت. كان المشهد كما وصفه أحد المراقبين: جموع ترقص وتغنى فى ( الحوش) الخارجىثم حرس وأمن واستعلامات فى المداخل – ثم كادر ومستشارين وضباط فى الشرفات – ثم وزراء وجنرالات فى الغرف الداخلية وأخيرا فى غرفة ( النوم) مجموعة العمليات الخاصة ( نحنان علامانا؟! بدأ الأنفضاض تدريجيا ومن الحلقات الخارجية وضاق رويدا رويدا حتى وصل الى الوزراء! تلك هى دولة القومية الواحدة – بدأت تتآكل داخليا وهى فى نهاية الأمر لا تفيد من تدعى تمثيلهم ولا تحافظ على الكيان الجامع.9- غياب الآخرين وهجرتهم خارج الوطن؟ المسلمون تعرضوا ثلاثة مرات للتهجير والأبادة –الأولى بعد قيام الثورة عام 1961 وحتى عام 1971 والثانية بعد تحرير المدن عام 1978 والثالثة على يد الجبهة الشعبية وويانى تقراى عام 1981. فى منتصف الثمانبنات قامت سلطات الأحتلال الأثيوبية باجراء احصائية للسكان فى ارتريا فوجدت التعداد ( 2مليون) والمسلمون أقل من 20% !ذلك يحسب لهم وليس عليهم – ويضاف الى سجل تضحياتهم. كان واجب الدولة الوليدة أن تعيدهم الى ديارهم وتعوضهم عما أصابهم من أضرار – ولكن الجبهة الشعبية لم تصدق أن البلاد أصبحت كما تريدهافبدأت فى بناء دولة القومية الواحدة بموافقة أو عدم موافقة تلك القومية!؟ هكذا فعلت نخبة الأمهرا فى أثيوبيا وهكذا فعل ( ميلوسيفتش) فى صربيا وهكذا فعل هتلر والحزب النازى فى ألمانيا! دائما قلة تعتقد أنها تمتلك الحقيقة وأن لها ( رسالة) خاصة تؤيدها فى ذلك العناية الألهية ( أو التاريخ بالتخريج العلمانى) – والنهاية معروفة ومكررة!10- كيف يفهم بعض الشركاء الشراكة؟ تمثيل رمزى ووجود لرفع العتب واعتراف ببعض الحقوق العامة؟ الخاسرون يفهمونها كما يلى: دولة العدالة والمساواة – دولة القانون والحريات العامة.المساواة فى الحق والواجب – العدالة فى توزيع السلطة والثروة – الأعتراف بالثوابت الوطنيةالحقوق الخاصة التى تحفظ التعدد العرقى والتنوع الثقافى والأختلاف الدينى – كل يمثل حسب حجمه ونسبته الى التعداد الكلى للسكان – حق اختيار شكل ومحتوى الحكم الأدارى – أن تكون دولة ارتريا متصالحة مع نفسها ومع جيرانها – متفاعلة مع محيطها الثقافى – نموذجا للتعايش الرضائى بين الشعوب.فى عهد الأحتلال الأثيوبى كان الأمهرا يقيسون وطنية وولاء المواطن الأرترى بمدى معرفته اللغة الأمهرية – جاء العهد الذى أصبحت وطنية وانتماء المواطن الأرترى تقاس فيه بمعرفة اللغة التقرنية؟! كان الله فى عون الشعب الأرترى. الحلقة القادمة: الخلاص – كيف؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى