مقالات

شموع تنير الظلام : شاعر الثورة :محمد محمود الشيخ ( مدنى):عمر جابر عمر*

5-Mar-2011

المركز

فى حياتنا تبرز من حين الى آخر شموع تنشر الفرح وتبدد الظلام الذى يحيط بالوطن والمواطنين. ولكن لأن جرعة اليأس وصلت فى نفوس الأرتريين درجة عالية فانهم لا يلتفتون الى تلك الشموع ويعتبرونها استثناء ومظاهر عابرة ستختفى مثلها مثل كل جميل فى حياتهم. ولكن الحقيقة هى ان تلك الشموع موجودة بيننا ومن حولنا وأمامنا ومن خلفنا – فى كل مجالات الأبداع والنجاح : فى الأدب والفن والرياضة والعلوم والأقتصاد والأجتماع – فقط علينا أن نضعها فى موضعها الصحيح ونحتفل بها ومعها فى كل خطوة نجاح وابداع – ذلك هو الطريق الذى نهزم به اليأس ونبدد الظلام ونجعل حياتنا ضياءا وفرحا وسعادة.

وهذه المرة نتوقف عند شمعة أضاءت وما تزال تضىء حياتنا وتنشر الفرح والأمل وتيشر ببزوغ فجر جديد – انه الشاعر المبدع محمد محمود الشيخ الشهير بمحمد مدنى.الميلاد والنشأة ينتمى شاعرنا الى أسرة هاجرت الى السودان منذ وقت مبكر وبما أنه كان باكورة الأنتاج فقد حملته أمه الى أرض الأجداد ليطلق ( صرخته ) الأولى فى سماء – حلحل – عام 1955. كانت الطقوس التراثية التى رافقت لحظة الميلاد وما بعدها هى التى استقرت فى الذاكرة الخلفية للشاعر وساهمت فى تكوين وتشكيل وجدانه وعقله فى المراحل اللاحقة. ثم انتقل مع الأسرة الى ( مدنى ) عاصمة الأقليم الأوسط السودانى وكبر هناك حيث أكتسب لقبه ( مدنى ). عاش فى بيئة سودانية خالصة – أتصل وتواصل مع الجمعيات الأدبية فى المدارس والمنتديات الثقافية فى المدينة متابعا الحركة الأدبية فى عموم السودان – والسودان كان ما كان يتقلب بين ديمقراطية ناشئة ودكتاتوريات شمولية . كل ذلك ترك أثره فى التكوين العقلى والفكرى لشاعرنا ولكنه من بين ذلك كله خرج بخاصيتين أثنتين التصقتا به وأحتفظ بهما حتى اليوم :1- الموهبة الشعرية التى ولد بها ونمت ورعاها حتى أعترف بها من كان حوله. يحكى شاعرنا أول أختبار مر به بينما كان مع مجموعة من الشبان الشعراء الواعدين وكلهم من السودان الا هو من أرتريا – قدمهم أحد الأدباء الى الشاعر العراقى ( مظفر النواب ) الذى كان فى زيارة الى السودان وطلب منه أن يستمع اليهم ويقول رأيه. وبالفعل أستمع اليهم الشاعر العراقى الكبير واحدا واحدا وقال فى الختام : ليس فيهم غير هذا الأرترى – وأشار الى محمد مدنى !2- الأرتباط بأرض الأجداد – أرتريا – كان ذلك الموروث التاريخى هو الذى قاد خطواته وحدد مواقفه وتوجهاته المستقبلية. ألتحق بالثورة ( جبهة التحرير ألأرترية ) وشارك فى مناشطها وأنشطتها الجماهيرية والأعلامية :هو الآن وقت القياممن النوم والنم والأنفصاملنا الآن أن نستعيدببعض القصور جميع الخيامبتحريض بدو الصحارىوتجميع جيش العواموأن أستميح كسيح الكلام لأكتب نقائصكم بالتمامشاعر الثورة – كان شعراء الثورة باللغات الأرترية المتعددة كثيرون وحتى باللغة العربية كان هناك مبدعون ولكنه كان أعلاهم صوتا وأقواهم كلمة وأكثرهم قدرة على جذب وأمتاع الجماهير. كان نجما فى الأحتفالات الوطنية ( سبتمبر وتقوربا والمؤتمرات — ) كان المناضلون ينتظرون أطلالته على المسرح ويتجاوبون معه ويتفاعلون ويصفقون له أكثر مما كانوا يفعلون لقيادات التنظيم !كان وقودا ومحركا للمناضلين فى مواجهاتهم للعدو ولمن هم خارج الميدان كان صوتا مناديا وآذانا جامعا.آه بارنتو – نحن آتون العشية لأتمام الزفافحفلنا فيه رصاصوالتواقيع ألتفافوالبنيات هنا لسن صبايابل شظايا ….أه بارنتوكان علامة من علامات صعود وانتشار جبهة التحرير وسط الجماهير فى مرحلتها الذهبية ولكنه أيضا عاش انتكاستها وتراجعها.مرحلة الدولة: بعد التحرير ذهب الى أرتريا أملا فى أن يرى عهدا جديدا يحقق الأمل الذى عاش من أجله ….. وكان يمكن أن يكون بحق شاعر مرحلة الدولة بحكم الأسبقية والتجربة والموهبة وحب الجماهير له ….. ولكن الحلم أنقلب الى كابوس وتبخر الأمل وواجه الشعب الأرترى مأساة جعلته يسأل ولا يجد اجابة ويبحث ولا يعرف طريقا الى الحقيقة وظهر الوجه القبيح للجبهة الشعبية وتفرق الجمع …..ولكن مأساة شاعرنا كانت مضاعفة — بالأضافة الى المأساة العامة فقد واجه مأساة خاصة تمثلت فى فقدان أثنين من أشقائه ( عمار وعبد الحكيم ) فى ظروف أقل ما يقال فيها أنها مظهر لسيطرة العناصر الظلامية التى لا تحب أن ترى شموعا تنير الظلام ولا تحتمل تقدم ونجاح من ينتمون الى هوية مختلفة عن هويتهم.هجر شاعرنا الوطن وهاجر بجسده ولكنه ما زال مسكونا به وترك أمر هؤلاء للتاريخ يحاسبهم ويحاكمهم ويأخذ منهم القصاص :أدوزن أغنيتى التاليةوأرفضأن نكتفىبالرصيفتابعوا ما شئتمواأو طاوعوا من خفتموافالزاحفون الى الفجيعةأنتموافقط أفهمواأن لا وثيقة أو وثاقولا حقيقة أو نفاقيخفى عن الأطفال عورةمن دفنتم من رفاقأمتلك نظرة ثاقبة تحاورية من غير تعصب وتمسك بموقف ثابت دون تحجر وقدم عطاءا متدفقا من غير أنتظار لشكر أو عرفان. أنه راهب فى محراب الفن وقيثارة تعزف أجمل الألحان — يحلق فى فضاء علوى ويغمض عينيه ليرسل صوتا يخترق جدار الصمت والخوف والأستسلام. ومن جهة ثانية فهو يعيش فى واقعه ملتصقا به مثل التوأم السيامى — يمشى فى طينه ويأكل من عجينه ويأوى الى عشة صغيرة ولكنها تكبر وتتمدد بالحب وتتسع لتضم كل من حوله .المعذبون والمظلومون والمحرومون هم مفردات شعره وخلاصهم هو ما يبشر به.الطغاة والمترفون والمرتشون هم من يصوب اليهم سهام ونبال أشعاره …أخيرا وافق على طباعة ديوانه – نافذة لا تغرى الشمس – كان دائما يرفض ذلك ويقول أن التواصل المباشر والتفاعل مع الجمهور هو الذى يصنع الشاعر الحقيقى – ولكن مع ظروف الأغتراب والهجرة والشتات كان لا بد من التوثيق ….غنت له أشهر فرقة غنائية سودانية ( عقد الجلاد ) وكذلك الفرقة الفنية لأتحاد طلبة أرتريا فى سوريا ..وما يزال شاعرنا يعطى ويبدع من محل أقامته فى المملكة العربية السعودية – متعه الله بالصحة وأمد فى عمره ليواصل رسالته ويكون قدوة للناشئين من شعراء العربية فى أرتريا.* نشر في صفحة نافذة على القرن الافريقي- صحيفة الوطن السودانية -4مارس2011م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى