مقالات

على ضوء المبادرة الإرترية الأخيرة : العلاقات السودانية الإرترية .. مدخل جديد – عبد الرازق كرار

25-Oct-2005

المركز

صحيفة إيلاف السودانية – 23/10/2005م
يعتبرحديث الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل مستشار الرئيس السوداني وزير الخارجية السابق عن عمق العلاقات الإرترية السودانية حينما قال ( إن ما يجمعنا بإرتريا هو أكبر مما يجمعنا بأى بلد آخر حتى شمال الوادي ـ والإشارة هنا لمصر ) تشكل من كبرى المفارقات بين المامول والواقع في هذه العلاقة االشائكة المتمتدة تاريخاً وواقعاً سياسي .

لقد ظلت العلاقة السودانية الإرترية قضية كانت او دولة تأخذ بعدين لم ينفصلا عن بعضهما وإن بديا في بعض الأوقات على خطين متوازيين ، هذان البعدان هما العلاقة الشعبية الممتدة صهراً ولغة وجوار واشواق ، والبعد الرسمي الذي يربط بين متغيرات السياسية وإتخاذ القرار ، ولما كانت المتغيرات غير ثابتة كما هو اسمها فإن العلاقات الرسمية كانت تتقلب بين القضية والدولة في السودان أو الدولة وفي إرتريا ونظيرتها في السودان من النقيض الى النقيض ، طالما كانت في احسن أحوالها يوماً لتتبدل لعكس ذلك . في إطار هذا السياق يمكن قراءة الزيارة المفاجئة للوفد الإرتري للسودان في إطار مبادرة لتطبيع العلاقات بين الدولتين وتجاوز إختناقات الماضي القريب ، بيد انه مع الأخذ في الإعتبار هذا العامل الذي ظل يلازم هذه العلاقة لابد من الإشارة الى الظروف والمستجدات التي ساهمت في تحديد الوقت المحدد لهذه الزيارة وفي هذا المنحي يمكن ان نشير الى عده عوامل :1/ التوتر الذي ارتفعت حدته في الحدود الإرترية الإثيوبية والقرارات التي اصدرتها إرتريا تمنع بموجبها المروحيات الأممية من التحليق ، والذي قابله تحركات وحشود على الجانبين بررها الطرف الإثيوبي بانها إجراء وقائي حتى لاتخطئ إرتريا مرة ،وعلى الدوام كانت إرتريا تنظر الى العلاقات السودانية الإثيوبية باعتبارها خصماً عليها بل كانت تنظر اليها بمنظور المؤامرة وأنها المستهدفة من هذه العلاقة دون النظر الى الأبعاد التاريخية والإقتصادية والجوار الجغرافي الذي يجمع البلدين .2/ الكروت التي بدات إرتريا تفقدها من خلال عملية السلام المتصلة والمتواصلة التي بدأها السودان في عملية حراك سياسي افضت الى حكومة وحدة وطنية إستوعبت غير حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية تنظيمات كثيرة ، والأخبار التي رشحت من مفاوضات ابوجا تتحدث عن تقدم في مسارات مهمة ، هذا غير المنبر المقترح للمعارضة في الشرق .3/ الوضع الإقتصادي المتردي الذي تعيشه إرتريا ، حيث تشهد ارتريا إنهياراً في اسعار عملتها النقفة مقارنة بالجنية السوداني والدولار الأمريكي ، كما تشهد ارتريا ارتفاعاً خرافياً في الأسعار وندرة في الوقود والزيوت والمواد التموينية مثل السكر والبن الذي دخل السوق الأسود واصبح بيعه من الممنوعات التي يعاقب عليها القانون ، لذا فإن عين إرتريا على السودان عله قد يساهم في تخفيف هذه الأزمة .4/ صوت المعارضة الإرترية الذي بدأ يشكل قلق حقيقي للنظام في اسمرا بعد ان تأطرت كافة التنظيمات الإرترية في التحالف الديمقراطي الإرتري والذي إستطاع إن يحرز تقدماً على الصعيد الإعلامي والدبلوماسي ، ولم ولن يستطع النظام تجاهلها في المستقبل ، خاصة وأنها قد طرحت مبادرات متقدمة بإستعدادها للجلوس الى طاولة المفاوضات مع النظام في اى زمان ومكان من اجل مصلحة الوطن فقط أن يعترف النظام بوجودها .5/ إحساس الحكومة الإرترية إن وجود الحركة الشعبية وخاصة على وزارة الخارجية السودانية ممثلة في الدكتور لام اكول هي الفرصة المناسبة بحكم العلاقات التي تربط الحركة الشعبية مع الحكومة الإرترية للتقدم بمبادرتها دون حرج يمكن تلاقيه .هذه عوامل مع أخرى متداخلة دفعت الحكومة الإرترية للتقدم بمبادرتها لتطبيع العلاقات بين البلدين ، لكن في ذات الوقت لم تكن الحكومة مستعدة بقدر كافي لتجاوز المطبات التي دفعت العلاقات بين البلدين لهذا النفق المظلم ، وكانت كل ماتقدمت به هو يجب ان نبدأ صفحة جديدة في دفتر السودان الجديد صفحة تطوى الماضي دون النظر والإعتبار من تفاصيله ، ولعل الدافع لذلك هو العقلية الإرترية التي تعتقد ان سودان اليوم لا علاقة لها بسودان الأمس ، ذلك أن المؤسسة في إرتريا غير قائمة اصلاً وبالتالي هي غير متوقعة أو غير مطلوبة عند الآخريين وفق الفهم التصور الإرتري الذي ينطلق من واقعه الذي تتجسد فيه كل السلطات والصلاحيات بيد الرئيس .كان المراقب يتوقع من الوفد الإرتري ان يحمل اجابات على كثير من المفارقات التي ظلت تلازم السياسة والمواقف الإرترية ولعل ابرز ماكان يمكن أن يكون في جعبة الوفد حتى تنجح مبادرته هو :1/ ضمانات وتفسير للتصرفات الإرترية التي كانت تلازم كل مبادرة لتطبيع العلاقات بين البلدين محلية كانت أو دولية وقد تمثلت هذه التصرفات في تحرشات مباشرة وإجتياح حدودي او دعم عسكري أو غير ذلك من التصرفات التي كانت تأتي قبل ان يجف الحبر الذي كتبت به وثائق المبادرة ومن ذلك احداث همشكوريب وكسلا ، وإلقاء مهمة وفد المؤتمر الوطني المفاوض المتجه الى اسمرا وهو في المطار وما اعقب ذلك من احداث .2/ لازال السودان يستضيف اكثر من نصف مليون إرتري كلاجئين مسجلين او غير مسجلين وهم الذي يعيق النظام عودتهم بشهادة المنظمات الدولية وموظفين بالوكالة الإرترية لللاجئين الذين تركوا وظائفهم ، مع العلم بان الرئيس اسياس قد صرح اكثر من مرة بانه لايوجد إرتري لاجئ في السودان وان كل الإرترين الذين يعنوه قد رجعوا الى بلادهم .3/ مشكلة التفويض والصلاحيات في إرتريا ، ذلك ان المتابع للسياسية الإرترية يدرك ان كل من السيدين عبدالله جابر ومحمد عمر محمود شخصيات هشة لاتملك صلاحيات لمثل هذه المهام المعقدة وان الرئيس قد ينكر حتى الإتفاق الذي وقعوه ، وذلك قياساً على الأمين العام للحزب الحاكم في إرتريا الذي كان في السودان واكد على موعد سفر الوفد السوداني ولكن الرئيس أعتذر عن إستقبال الوفد دون إخطار الأمين الذي فوجئ بذلك مثله مثل الوفد السوداني ، ولو ان الرئيس ارسل مثلاً السيد يماني قبرآب لثبت جدية الرئيس في طرح هذه المبادرة . 3/ ملف المعارضة الإرترية الذي ينكر النظام حتى الآن وجودها رغم الإنجازات التي حققتها على الصعيدين الإعلامي والدبلوماسي مماجعلها حاضرة في أجندة المواطن الإرتري في الداخل والخارج وكذلك في المحافل الدولية حيث بدأت تتاح لها الفرص لشرح وجهة نظرها في دوائر صنع القرار العالمي هذا غير الجوار الإقليمي .هذه المخاوف أو التحديات لم يكن الوفد الإرتري مخولاً أو مستعداً للحديث عنها دعك من البحث فيها ، ذلك أن جملةالمبادرة الإرترية كانت ملخصة في عبارة ( عفا الله عما سلف ، ولنفتح صفحة جديدة ) .كل المعطيات تقول ان اسياس يجب ان يثبت جديته بأكثر من هذه المبادرة التي كانت عبارة عن حملة علاقات عامة ومجاملة اكثر منها مناقشة قضايا حقيقة عالقة بين بلدين الذي يجمع بينهم اكثر مما يجمع بين اى قطريين آخريين ، ذلك ان الحقائق على الأرض تقول أن اسياس لايستطع عملياً تطبيع العلاقات بين البلدين لأنه لايتحمل فتح الحدود البرية الجوية بين البلدين خشية من القادمين من الخارج خاصة السودان ، وفي ذات الوقت لن يستطيع التحكم في عدد الذين يمكن ان يفرو من جحيمه ، وهم الذين لم يمنعهم إغلاق الحدود فكيف إذا فتحت المنافذ .جملة القول أن اسياس وحكومته التي لم تستطع حتى الأن تسمية وزير خارجية رغم مرور حوالى الشهرين على وفاة وزير خارجيتها ( على سيد عبدالله ) تحتاج الى معجزة حتى يثق المجتمع الدولي ودول الجوار والسودان منهم دون شك ، وان يركن الى تصرفاتها ووعوداتها والمدخل المناسب لذلك هو وفد يملك التفويض الكامل والقدرة على مناقشة الملفات العالقة ومن ثم يتحمل مايترتب على الإتفاقات التي تنجم عن ذلك ، وإلا فالأمر لايعدو ان يكون مسكناً للألم دون علاج للداء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى