مقالات

في الذكرى السابعة عشرة للاستقلال :ماذا جنى الشعب الإرتري منه ..!؟-الأستاذ: محمد نور أحمد

6-Jun-2008

المركز

يتحدث النظام عام بعد عام عن طرق مدّها وأخرى سيمدّها، وسدود أقامها وأخرى سيقيمها ، ومشاريع تحت الإنشاء ، مكررا وبشكل ممجوج ما يسميه سياسة الاعتماد على الذات التي لا يبدو لها أية ثمار ، لأن ثلثي السكان يعيشون على الإغاثات التي يتسولها النظام من المجتمع الدولي ، وأما ثلثهم الآخر- ونعني سكان المدن- فقد برعت قريحة هذه السياسة لهم في تخصيص رغيف واحد لكل مواطن ليقتات عليه كامل يومه .!

لا يقول لنا النظام في هذا الحديث كم عدد ونسبة الأطفال الذين يموتون سنويا بسبب سوء التغذية ، أو الأمراض المعدية كالملاريا والسّل بأنواعه ، كم من الشباب يهلك بمرض الإيدز الذي يتوسع انتشاره بسبب تخلف الوسائل الطبية أكثر من الاتصال الجنسي ، كم بلغ عدد سجناء الضمير وأين يوجدون..؟ وفيهم أمهات من أمثال إستير فسها زيون ،وإستير يوهنس التي أقتيدت من سلم الطائرة في مطار أسمرا عندما قطعت دراستها لرعاية أطفالها الأربعة الذين كانوا ينتظرونها في حرقة من الشوق إليها خارج مبنى المطار، منذ فجع هؤلاء الأطفال عند اعتقال والدهم بطرس سلمون مع مجموعة الإحدى عشر الذين ليس لهم ذنبا سوى تساؤلهم عن السبب الذي أشعل من أجله أسياس الحرب ضد إثيوبيا ، هل حقيقة كان مسألة النزاع حول منطقة بادمي هي السبب ..؟ وهل النزاع حولها كان يتطلب إشعال فتيل الحرب التي أودت بحياة ما لا يقل عن 40 ألف شاب وشابة ..! وتخلف ورائها المئات من المعوقين ..!؟ أيعقل أن تضيع مئات بل آلاف الملايين من الدولارات في دولة بالكاد تنفست الصعداء من حرب تحرير استمرت ثلاثين عاما ..؟ أما كان لها أن تحل ذلك النزاع بالطرق السلمية حتى لو استغرق ذلك عشرات السنين ، باعتبارها وسيلة تلجأ إليها الشعوب المتحضرة ، لتوفر لنفسها خسائر مادية وبشرية ..؟ أم الجريمة هي كانت تساؤلاتهم حول الطريقة التي أديرت بها الحرب لتؤدي إلى تلك الخسائر الفادحة دمرت ومست حتى السيادة الوطنية ..!؟ نعلم إن جريمتهم الكبرى كانت تلك التساؤلات التي نترك مشروعيتها من عدمه للشعب والتاريخ، فما كان يوما ولن يكون مع الطغاة والظلمة ، كذلك ما سجنوا إلاّ لأنهم طالبوا بتطبيق الدستور الذي صادقت عليه الجمعية الوطنية التي شكلها النظام الحاكم بعد أن استكملت كافة الترتيبات الخاصة به ، وتقوم من بعده بإجراء انتخابات عامة في البلاد، ليختار الشعب حكامه بنفسه ، بعد أن يصوت لمن ينال ثقته من القوى السياسية حسب برامجها ووعودها ، ولفترة حددها الدستور بحيث تكون السلطة متداولة . كان ذنب هؤلاء أيضا المطالبة بتطبيق الدستور الذي يكفل للشعب حريته التعبير والصحافة ، وممارسة عقائده الدينية ، والتظاهر السلمي ، وحرية التنقل وصيانة حرمة المنزل والاتصالات ، وهذه الحقوق هي ما نص عليها الدستور، وتنص عليها إعلانات ومواثيق وعهود حقوق الإنسان العالمية السياسية والاقتصادية والمدنية ، بالإضافة لمطالبتهم بنظام اقتصاد السوق بدلا من احتكار الحزب الواحد لمقدرات البلاد ومواردها ، والذي حوّل منها مئات الملايين إلى البنوك العالمية تحسبا لليوم الذي سينقض فيه الشعب على حكامه الظلمة ويطيح بهم . كان ذنب هؤلاء السجناء أيضا وهو ليس بذنب وإنما هو حق أنهم طالبوا بالدستور الذي يمنع زج المواطن في السجن إلاّ إذا ارتكب جريمة ثبتت عليه أمام قاض في قضاء مستقل يكفل للمتهم فرصة الدفاع عن نفسه بواسطة محام يوكله أو يوكله القضاء إذا كان عاجزا عن دفع الأتعاب ، فالقضاء المستقل والعادل لا يصدر حكما دون ذلك . هذه هي الديمقراطية التي نص عليها الدستور الذي هجره أسياس لأنه لا يؤمن له استمرار حكمه وبسط سيطرته وزبانيته على السلطة ، لهذا وصف الديمقراطية بالمفرقة للشعوب ، والمفسدة لحياة المجتمع في إحدى لقاءاته الصحفية . لكن الحقيقة إن الديمقراطية هي التي لا تضمن لأسياس إستمراريته في الحكم وبسط سيطرته على الشعب إذا قبل بإجراء الانتخابات ودخل حزبه في المنافسة مع الأحزاب الأخرى ، فأسياس وزمرته يحكمون البلاد بالحديد والنار وليذهب الشعب إلى الجحيم ، وهذا بالطبع ما لا يهمه ، لذلك استغل أسياس المشاكل الداخلية لدول الجوار وافتعل الحروب ضدها لصرف أنظار الشعب الإرتري عن مساوئ حكمه ، وصار في الآونة الأخيرة يبتز العواطف الدينية لبعض الدول العربية مثل قطر عندما احتضن المحاكم الصومالية ، وكأنه حادب على حقوق المسلمين الصوماليين . هذا وهو الذي وضع برنامجا لاجتثاث الثقافة العربية في إرتريا وحرمان المسلمين من وسيلتهم الوحيدة التي تمكنهم من معرفة أصول دينهم ، ويحدث لهم هذا لأول مرة في تاريخهم منذ دخول الإسلام وانتشاره في إرتريا ، والمسلمون في إرتريا يتحدثون ثمانية لغات – عدا اللغة العربية- إلاّ إن العربية جمعتهم وبخالص إرادتهم دون فرض من أحد باعتبارها لغة دينهم . كما جعل أسياس وأتباعه من هذا البلد سجنا كبيرا بعد أن ملأ السجون ، وزج بما لا يقل عن ثلاثمائة ألف شاب وشابة في الخدمة العسكرية الإلزامية التي يقضون فيها زهرة شبابهم ، ويحرمهم من بناء مستقبلهم ومساعدة أهليهم وذويهم ، كل ذلك حتى لا يطالبوه بحقوقهم في مواصلة تعليمهم الجامعي ، بعد أن أغلق أمامهم فرص التعليم الجامعي ، فلم يجدوا مقرا إلاّ في الهروب فمنهم من يقع في كمائن أجهزة النظام فيقتل أو يقبض عليه ويحاكم بجريمة التسلل وعبور الحدود ويكون مصيره الإعدام بالرصاص أمام رفاقه ، ومنهم من يعبر إلى دول الجوار ليعيشوا لاجئين في معسكراتها، ومن تجاوزها يموت عطشا في صحراء ليبيا ، ومن حالفه الحظ يعبر ليبيا على متن قوارب صغيرة ويصل إلى الشاطئ الشمالي للبحر المتوسط ، أو تبتلعه أمواج ذلك البحر لغرق قوارب التهريب الصغيرة ، أو تنقطع به السبل في مالطا . فيما يقع البعض الآخر في أيدي أجهزة الأمن الليبية فتقوم بترحيله إلى إرتريا ليلقى مصيره المحتوم بأن يقبع ما تبقى من عمره في سجونها حتى يكون عظة لغيره . هكذا أصبح أسياس وزمرته لا يمتون إلى هذا الشعب بصلة بعد أفعالهم هذه ومن أجل مصالحهم وللحفاظ على امتيازاتهم السلطوية ، دون النظر لما يحيق بهذا الشعب والوطن جراء ممارستهم هذه . لهذا على الشعب الإرتري في داخل الوطن أن يكسر جدار الحيرة والتردد الذي كرسه القمع المنظم للنظام ، فلن يخسر بعد الآن إلاّ الضعف والهوان المفروض عليه ، وعلى أبنائه العاملين في قوات الدفاع الإرترية وأجهزة الأمن لا بد لهم من الوقوف بجانب شعبهم ، وتلك مسئولية يحملهم إياها التاريخ ، فنظام أسياس لا ينظر فيهم سوى أدوات يستخدمهم في قمع آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وأخواتهم الذين لا يدينون بالولاء لهذا النظام الجائر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى