مقالات

ماذا لو أرجأ استفتاء جنوب السودان إلى وقت معلوم!؟ محمد صالح عبد الله*

15-Oct-2010

المركز

تتسارع الأحداث بصورة غير مسبوقة في السودان، ففي الوقت الذي قام فيه مجلس الأمن الدولي بزيارة إلى الجنوب ودارفور والعاصمة السودانية الخرطوم وأجرى لقاءات بقيادات جنوبية ومن زعماء المعارضة الشمالية والمسئولين الحكوميين، فيما نفضت المحادثات الماراثونية التي استغرقت قرابة الأسبوعين في أديس أبابا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول منطقة اببي وهي رقعة جغرافية تثير جدا بين الشمال والجنوب دون ان يحرز ذلك أي تقدم يذكر في القضايا محل البحث.

ومن العوامل المؤثرة والمثيرة ما بات يصدر من عاصمة جنوب السودان مدينة جوبا التي أصبح الترويج فيها للانفصال مهمة رسمية وأولوية لحكومة الجنوب دون غيرها من القضايا، حيث لم يقتصر الأمر فقط على مؤسسات المجتمع الأهلي كما كان في الأشهر الأخيرة، فبات رئيس حكومة الجنوب ونائب الرئيس السوداني سلفاكير ميارديت من أكثر المتحمسين إلى الانفصال داعيا الجميع إلى التصويت له وذهب بعيدا ليعتبر ان البقاء في وحدة مع الشمال هو استعمار في حد ذاته وانه غير مقبول وان الجنوب سيمضي في تقرير مصيره والاستفتاء حتى لو نظم ذلك بنفسه دون التنسيق مع الشمال، فيما اعتبر موقف كير هذا خرقا صريحا لاتفاق السلام الشمال والذي يبدو انه اختزل بصورة نهائية في الاستفتاء وان بقية بنود الاتفاقية باتت لا تعني الجنوب فدعوات الانفصال في الجنوب بات لا يعلوا فوقها صوت آخر.وتواكب هذه التطورات، إخفاق محادثات حول منطقة اببي الواقعة بين الشمال والجنوب والغنية بالموارد الطبيعية في أديس أبابا بين وفد رفيع المستوى من المؤتمر الوطني وآخر من الحركة الشعبية علاوة على وفد من زعماء القبائل الكبرى التي تسكن المنطقة (المسيرية،ودينكا نقوك) وبرعاية أمريكية، فيما شارك المبعوث الأمريكي الجنرال اسكوت غرايشن في المحادثات، وذلك على أمل ان يتم الاتفاق على خطوط رئيسية لحل المشكلة القائمة في تلك المنطقة والمتشعبة بصورة سلمية دون اللجوء إلى التحكيم الدولي او تدخلات من قبل أطراف خارجية تفاديا لتدويلها وتعميق الخلاف حولها.ورغم ان كثيرين كانوا يعولون على المحادثات الثنائية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لحسم مصير منطقة اببي بصورة ودية وتحديد وضعها قبيل الاستفتاء القادم، خاصة بعد ان تردد أكثر من تحذير من الجنوب والشمال في الآونة الأخيرة بان حسم ملف ابيي يعد المدخل الصحيح لإجراء استفتاء خالي من المشكلات وبصورة سلمية، إلا ان الأطراف لم تتمكن من الوصول إلى نتيجة، ما يصاعد المخاوف مجددا حول هذا المحور من بنود اتفاقية السلام الشامل في السودان وربما ترجع الصعوبة هنا إلى طبيعة المنطقة المعقدة وتركيبتها السكانية والقبلية وطبيعة الحياة المتنقلة فيها، فيما يزيد مراقبون إن ما تتمتع به منطقة ابيي من موارد طبيعية هائلة في باطنها أصبح يساهم في توتير الموقف، ما يحتم ضرورة إجراء مشاورات مكثفة حولها من اجل تحديد مستقبلها بعيدا عن التدخلات الأجنبية او تدويل الملف، وان الحل الوحيد يكمن في إجراء محادثات مباشرة بين التكوينات الاجتماعية للمنطقة لا تغفل في ذات الوقت الاعتبارات التاريخية والحقائق على الأرض.أما في مجمل العملية، فقد ظل البعض من السياسيين في الجنوب يحذر من “تسونامي” قد يعصف بالسودان في أعقاب الاستفتاء وهو ما يشير إلى خطورة الموقف في خضم حالة من انعدام الثقة بين الأطراف وهستيريا تجتاح الجنوب بان الانفصال امر واقع لا محالة، وان الحديث عن الوحدة مع الشمال او حتى التفكير في ذلك أصبح من الماضي بعد ان أعلنت الحركة الشعبية ومبكرا جدا بان الوقت قد فات لجعل خيار الوحدة جاذبا للجنوبيين وبالتالي تبني خيار الانفصال ولم تكترث كثيرا للانتقادات التي وجهت إليها والتي تتهمها بالتضييق او حتى إلغاء الأصوات الأخرى في الجنوب والتي ترى في وحدة السودان خيارا أجدى وانفع من الانفصال وان الجنوب سيكون أقوى وأكثر رفاهية وازدهارا إذا ما بقي في وحدة فيدرالية مع الشمال وسيحفظ له ذلك الكثير المزايا والامتيازات.ورغم ان الأمور تبدو محسومة على الأقل بالنسبة لقيادة الحركة الشعبية بتغليب الانفصال والدعوة إليه صراحة، ما هي الفائدة المتحصلة من زيارة مجلس الأمن الدولي إلى البلاد في هذا التوقيت والذي كانت تقوده سوزان رايس، سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة وهي البلد الوحيد الذي روج للانفصال في الجنوب ورسم صورة وردية لقيادة الحركة الشعبية في حال ما انفصل الجنوب، ما يدفع البعض الى التساؤل هل جاء من اجل حث الأطراف ومساعدتها في التغلب على القضايا العالقة في اتفاقية السلام وتمهيد أرضية سليمة لاستفاء حر ونزيه يختار فيه أهل الجنوب بإرادة مطلقة بين الوحدة والانفصال…ام لتقديم المزيد من الضمانات للحركة الشعبية بالسير قدما في عملية الانفصال مع غطاء أممي ومن المجلس وبرعاية أمريكية.!؟…ولكن ماذا لو تم تأجيل الاستفتاء لثلاثة أشهر أخرى مثلا؟ لا تغضب الحركة الشعبية المتحمسة للانفصال، ولا تثير حفيظة حلفائها سواء في الولايات المتحدة الأمريكية او في العالم الغربي الذي تفنن في تجميل صورة دولة الجنوب الموعودة حتى كاد يخفي ملامحها، وفي ذات الوقت ستكون تلك فترة معقولة لأهل الوحدة ليروجوا لخيارهم، كما انها ستكون مهلة مهمة جدا لحلحلة بعض الملفات العالقة والتي أصبح الاهتمام بلف الاستفتاء على حسابها وهي ملفات حساسة مثل وضع منطقة اببي وجنوب النيل الأزرق وترسيم الحدود وكافة الترتيبات المتعلقة بمرحلة ما بعد الاستفتاء، وبالمناسبة كلها ملفات تنطوي على الكثير من التعقيدات وكل واحد منها كفيل بتأزيم الموقف وتوتير الأوضاع وإشعال حرب بين الطرفين، وقبل هذا وذاك قد تطيح بأمل الجميع في تحقيق السلام الذي طال انتظار وبعد مناله.. وبالتالي فإن من يتتبع الهرولة والسباق المحموم مع الزمن والتهديد والوعيد الذي يغلب على المشهد السوداني هذه الأيام لفضل إرجاء الاستفتاء دون تردد لفترة زمنية معقولة وبإشراف الأمم المتحدة ورعاية المجتمع الدولية وقبل هذا وذاك بتراضي شريكي الحكم وحينها سيتواضع كل أهل السودان على ما ستسفر عنه نتيجة صناديق الاستفتاء.وقد يكون هذا الاقتراح النظري بتأجيل مفترض لعملية الاستفتاء منطقيا ليس من اجل جعل الوحدة جاذبة او لتمكين هذا الفريق او ذاك وإنما لدرء خطر أعظم وهو تجنب نشوب حرب أخرى قد تندلع في خضم حالة الغليان الراهنة..ومن هنا تبرز أهمية إجراء الاستفتاء في أجواء مواتية ومستقرة وحينها سيعلم الجميع القيمة المقدسة لتلك العناصر والموازية لمصير الوحدة او الانفصال، واعتقد جازما بان المنظمات الدولية الفعالة كالاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة ودول الجوار والقوى التي ترجو ان يُحدث الاستفتاء المرتقب السلام والاستقرار في السودان والإقليم تدرك ذلك تماما!وكما يقول احد المعلقين، فان عملية الاستفتاء بين شمال السودان وجنوبه باتت أشبه بمباراة في كره قدم، حيث يمضي الوقت بسرعة على الفريق المهزوم وبطيء جدا على الفريق الفائز…وهنا كان يقصد بان ما تبقى من وقت كثير جدا بالنسبة لمن يفضلون الانفصال من الجنوبيين والذين حسموا أمرهم فيما يذهب الوقت وبسرعة البرق على دعاة الوحدة والذين ظلوا يراهنون على عامل الوقت لجعل خيار الوحدة جاذبا بالنسبة لأهل الجنوب وتلك غيابة يبدو ان من الصعب إدراكها فيما تبقى من أيام معدودات.* كاتب متخصص في شئون القرن الإفريقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى