أخبار

<font color=brown><font><B>انفصال جنوب السودان باعتباره أحد مؤشرات تصدع النظام الافريقي الحالي ياسين محمد عبد الله’

16-Oct-2010

المركز

القدس العربي
تدل كل المؤشرات على أن جنوب السودان سيختار، في الاستفتاء المزمع إجراؤه في كانون الثاني/يناير القادم، الانفصال عن بقية أجزاء البلاد. وعندما يقع انفصال الجنوب فسيكون أول حالة خرق لمبدأ حرمة الحدود الموروثة من الاستعمار

الذي تبناه رسمياً أول مؤتمر قمة افريقي عقد في القاهرة في تموز/يوليو 1964 والتزمت بموجبه الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الافريقية باحترامها الحدود عند الاستقلال. حالة إريتريا تختلف تماماً عن حالة جنوب السودان، فإريتريا كانت مستعمرة إيطالية قبل أن تضمها إثيوبيا، لذا فإن استقلالها يعد بمثابة عودة لتطبيق مبدأ حرمة الحدود الموروثة من الاستعمار لا خرق له. أوجد اتفاق نيفاشا بين طرفي الصراع في السودان؛ الحكومة المركزية والحركة الشعبية لتحرير السودان في عام 2005 الأساس النظري لنهاية مبدأ الحدود الموروثة من الاستعمار، بنصه على تقرير المصير لسكان جنوب السودان. وما النص على إلزام طرفي الاتفاقية على جعل الوحدة جاذبة سوى تغطية سياسية لتمرير القرار الذي يعد انقلاباً على أحد أهم المبادئ التي حكمت علاقات الدول الافريقية في ما يتعلق بحدودها المشتركة لما يقارب النصف قرن. الجنوب الذي خاض نضالاً مريراً لسنوات طويلة على خلفية الإحساس بالغبن، وسعياً للتميز العرقي والديني عن الشمال، لم يكن من المتوقع أن يفوت فرصة تقرير المصير من دون أن يحقق الكيان الذي يميزه عن الآخر، الشمالي. وقد برهنت تجربة تطبيق الاتفاقية في السنوات الخمس الماضية على أن النص بجعل الوحدة جاذبة كان مضراً بفرص إرساء سلام دائم بين شطري البلاد فقد أضاع الشريكان وقتهما في الجدل حول قضايا أقل أهمية من تلك المرتبطة مباشرة بالاختيار الراجح للجنوبيين، مثل ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وتقاسم الالتزامات الدولية، وترتيب التعاون في مجالات حيوية، خصوصاً للجنوب، مثل ضمان استمرار تصدير النفط الذي يشكل 98′ من ميزانية حكومة جنوب السودان. لقد أسهمت الحدود الموروثة من الاستعمار في استقرار العلاقات الحدودية بين الدول الافريقية لسنوات طويلة. وقد قال البروفيسور بولاجي أكينيم وهو وزير خارجية نيجري سابق في محاضرة قدمها عام 1997 في (ولتن بارك) في بريطانيا، ان هذا الاتفاق جنب القارة 400 حرب حدودية من وقت إقراره في عام 1964. لا يكمن الخطأ إذاً في الاتفاق على احترام الحدود الموروثة من الاستعمار، إنما في عدم الاهتمام بمعالجة ما ترتب على تشكيلها على هذا النحو بما يضمن المساواة بين المكونات المختلفة داخل الرقعة الجغرافية المسماة الدولة، وفي استخدام الدول الافريقية الصراعات الداخلية الناجمة عن هذه الأوضاع لخلق متاعب لبعضها البعض كما حدث في الحالة السودانية. برز طرح في السنوات الأخيرة بين بعض الباحثين الغربيين المهتمين بالشأن الافريقي ينادي بإعادة تقسيم حدود القارة الافريقية على أسس إثنية بدعوى أن إعادة ترسيمها بهذه الطريقة سيجعل هذه الدول أكثر استجابة لمتطلبات التحول الديمقراطي. فبدلاً من تركيز الحركات الانفصالية الحالي على الهويات كبرامج ستركز هذه الحركات، في ظل دولة مكونة من إثنية واحدة، على السياسات. وستكون إدارة شؤون الدول الجديدة، الأصغر مساحة بالطبع، أسهل من إدارة تلك التي تحتل مساحات شاسعة، بالإضافة إلى أن هذه الدول سيكون بإمكانها استخدام لغاتها الخاصة بدلاً من استخدام لغات الآخرين. وبينما لا ينفي أصحاب هذا الطرح الصراعات التي يمكن أن تتولد من قيام مثل هذه الدول، يجادلون بأن السيطرة على تلك الصراعات أسهل من السيطرة على النزاعات المسلحة التي تنفجر داخل الدولة الواحدة، حيث يمكن إشهار العقوبات الدولية في وجه الدولة بينما لا يمكن فعل ذلك في مواجهة حركة انفصالية. لا ينفي هذه الطرح مسؤولية السودانيين عن تبني حق تقرير المصير، فقد أقرته الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان والمعارضة الشمالية وبعض المثقفين من الذين يعيشون في الغرب قبل أكثر من 15 عاماً، كل لأسبابه الخاصة ليوفـــــروا بذلك المكــــون الوطني للجانب القانوني في عملــــية أخذت طابعاً دولياً. وقد أكد الاجتماع الدولي الذي عقد في نيويورك يوم 24 ايلول/سبتمبر، بمشاركة الرئيس الأمريكي والأمين العام للأمم المتحدة وقادة من السودان وآخرين من العالم والإقليم، على أن المجتمع الدولي يضع ثقله خلف عملية الاستفـــــتاء الذي ما عــادت نتيجته المتوقعة خافية على أحد على ضوء تصريحات قادة الحركة الشعبية المتكررة عن تحبيذهم الانفصال والدعم العملي الذي قدمته الإدارة الأمريكية وأعلن عنه الرئيس أوباما في الاجتماع للمساعدة على تكييف مؤسسات الجنوب مع متطلبات الدولة المستقلة. تتجاهل الدعوة لإعادة ترسيم حدود الدول الافريقية على أسس إثنية التجربة الأكثر مأساوية في القارة، التي يمثلها الصومال. فالصومال يتكون بخلاف دول القارة الأخرى، من قومية واحدة ويدين أهله كلهم بدين واحد، مع ذلك فهو يعد اليوم الدولة الأكثر فشلاً في أفريقيا، حيث يشهد حرباً أهلية متواصلة منذ 20 عاماً حولت حياة شعبه إلى جحيم وشكلت أحد مهددات الأمن الإقليمي. وفيما أبدت دول في الإقليم مثل مصر وتشاد، تخوفها من الآثار المحتملة للانفصال على الاستقرار الإقليمي، لم تخف أخرى مثل كينيا ويوغندا سعادتها بالمولود القادم بسبب المصالح التي بدأت في تحقيقها من التعامل مع الجنوب حتى قبل أن يكون دولة كاملة السيادة.من المتوقع أن تترتب عن قيام دولة معترف بها في جنوب السودان آثار قانونية وسياسية عميقة على أوضاع القارة والإقليم، فهو لن يكون ملهماً للحركات الانفصالية فقط، بل سيوفر لها أيضاً سنداً قانونياً، فدول عديدة في القارة مثل إثيوبيا وتشاد ونيجيريا والكونغو يمكن أن تكون عرضة للتقسيم إذا ما طبقت عليها المعايير ذاتها التي طبقت على الحالة السودانية. وحتى قبل الإعلان رسمياً عن انفصال جنوب السودان طالب الرئيس الليبي معمر القذافي، الذي يعتبر نفسه أحد دعادة الوحدة الافريقية، بتقسيم نيجيريا على أساس إثني إلى عدة دول بعد أن كان طالب بتقسيمها لدولتين مســــيحية وإسلامــــــية إثر اندلاع مواجهات طائفية بين المسلمين والمسيحيين في اذار/مارس الماضي. وسيزيل إعلان قيام دولة جنوب السودان، الذي ألزم المجتمع الدولي بما فيه الحكومة المركزية في السودان الاعتراف به عند حصوله وفقا للإجراءات المنصوص عليها في اتفاقية نيفاشا، العقبات القانونية أمام الاعتراف بجمهورية أرض الصومال. فمن المعروف ان هذه الجمهورية التي أعلنت نفسها دولة مستقلة في عام 1991 لم تعترف بها أية دولة حتى الآن، بسبب التزام دول العالم احترام حرمة حدود الدول الافريقية عند نيلها استقلالها. وتتعجل الاعتراف بجمهورية أرض الصومال بعض دول الإقليم، التي ترى إنه سيجعل من هذه الجمهورية لاعباً مهماً في مواجهة نشاط الحركات المتطرفة في الصومال . وستترتب عن انفصال جنوب السودان آثار قانونية على قضية خلافية أخرى في الإقليم، وهي قضية تقاسم مياه النيل. فمصر ستخسر إحدى حججها القانونية في مواجهة إثيوبيا في ما يتعلق بإلزام الأخيرة احترام حصتها من المياه، كما ورد في الاتفاقية التي وقعتها بريطانيا مع منليلك الثاني في 15 ايار/مايو 1902. الاتفاقية المشار إليها أبرمت أصلا لترسيم الحدود بين إثيوبيا والسودان، وإن كانت إثــــيوبيا قد احتجت في الماضي بعدم تطابق النصين الأمهري والإنكليزي؛ حيث قالت إن النص الأول لا يلـــزمها بالامتناع عن إقامة سدود على النيل الأزرق، فهي ستــجد في قيام دولة الجنوب سنداً إضافياً لعدم الالتزام بهذه الاتفاقيــــة وفي تقوية موقفها التفاوضي في النزاع الحالي حول تقاسم ميــاه النيل. يواجه جنوب السودان، الذي رمت به الأقدار ليكون أول اختبار لمدى نجاعة إعادة تشكيل حدود القارة على أسس إثنية في معالجة مشكلات النزاعات وانعدام الديمقراطية وتفشي الفساد في دول القارة، تحديات داخلية خطيرة أوردها تقرير مهم صدر هذا العام عن مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية بالاشتراك مع مركز جامعة جوبا للسلام ومفوضية السلام في جنوب السودان. أظهر التقرير خطورة الصراعات الداخلية بين القبائل والعشائر الجنوبية حول الموارد والنفوذ والحدود الداخلية بين المحافظات، وضعف مؤسسات حكومة الجنوب وخلص التقرير لنتيجة مفادها أن الجنوب يعيش في حالة نزاع مع نفسه عشية الاستفتاء على حق تقرير المصير، واعتبر ذلك أخطر على استقراره من أي تهديد يمكن أن يأتيه من الشمال. ‘ كاتب مهتم بشؤون القرن الافريقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى