أخبار

اريتريا وإثيوبيا ..الحرب الدبلوماسية والإعلامية تفي بالغرض !! : محمد صالح عبد الله *

7-Oct-2010

المركز

منذ ديسمبر العام 200 وبعد توقيع اتفاق السلام بين إثيوبيا واريتريا في الجزائر برعاية المجتمع الدولي ظلت الأزمة الحدودية بين الجارتين تراوح مكانها بين التوتر والتصعيد تارة وأخرى بين الهدوء المشوب بالحذر هذا على الصعيد الميداني.

أما على الجبهة الإعلامية والدبلوماسية فقد ظلت المواجهة قائمة وأخذت أشكالا متعددة كان آخرها منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما تبادل الطرفان الاتهامات فارتريا اتهمت الأمم المتحدة بالفشل في إلزام إثيوبيا الانسحاب من أراضيها رغم صدور قرار مفوضية الحدود المستقلة قبل عدة أعوام وهو القرار الذي اعتبرته اسمرة انتصارا قانونيا لها بعد خسارتها للحرب.فيما وجهت إثيوبيا بدورها لوما إلى المنظمة الدولية بالقصور في تطبيق القرار الدولي الذي يفرض عقوبات على اريتريا على خلفية تقارير دولية بتورط الحكومة الاريترية في تأجيج الصراع الصومالي ودعم عناصر متطرفة هناك، فضلا عن دورها في زعزعة الاستقرار بالمنطقة والإقليم وهي المنطلقات التي اعتمدت عليها الأمم المتحدة في صدور قرار العقوبات ضد اريتريا.ومنذ إكمال الأمم المتحدة لمهمتها في الحدود بين إثيوبيا واريتريا وسحب القوات الدولية من هناك، كانت الأوضاع مرشحة للانفجار في أي وقت وبصورة مفاجئة تماما كما حدثت الحرب بين البلدين عام 1998، خاصة في وقت عمل فيه الجانب الاريتري على استثار جارته مجددا وفي أكثر من مناسبة عبر تحريك قواته على محاور النزاع أو من خلال دعم جماعات مناوئة لأديس أبابا تتبنى العنف، إلا ان القيادة الإثيوبية لم تقرر الحرب، نظرا إلى الكثير من الاعتبارات الداخلية، حيث ان قرار الحرب والسلم لم يعد في يد شخص واحد كما هو الحال في اريتريا فهناك المؤسسة التشريعية المنوطة بالمصادقة على مثل هذه القرارات التي تتعلق بالقضايا الوطنية الكبرى في الدفاع والأمن والسياسة الخارجية، فبرغم تمتع الجبهة التي يقودها رئيس الحكومة الإثيوبية بالأغلبية البرلمانية، إلا ان وجود أصوات قوية للمعارضة تحت قبة البرلمان والانتقادات المتكررة التي ظلت توجهها للحكومة فيما يتصل بفضية الحدود والنزاع مع اريتريا وتباينات الآراء، هذا فضلا عن شعار التنمية الذي ترفعه حكومة زيناوي منذ الأعوام الستة الماضية كل ذلك جعل موضوع المواجهة العسكرية مع اريتريا لا يثير اهتماما ولم يعد أولوية في أجندة الحكومة الأثيوبية.وكما أسلفنا فان الجبهة الدبلوماسية لم تهدأ بين الطرفين، وعليه فان إثيوبيا ظلت منخرطة في حملة دبلوماسية ضد اريتريا كما هو حال الأخيرة أيضا، فقد تحركت أديس أبابا بصورة نشطة وسط منظمة إيقاد والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة مستغلة انخراط اسمرة في دعم الإسلاميين في الصومال وتدريب وتسليح جماعات إثيوبية متمردة كجبهة اوجادين وجبهة تحرير اوروميا وهما منظمتان إثيوبيتان، فضلا عن العداء الاريتري المستحكم لحكومة الرئيس الصومالي السابق عبد الله يوسف وبعدها لحكومة شيخ شريف رغم ان شريف كان من حلفاء اسمرة عندما كان يتزعم اتحاد المحاكم الإسلامية، علاوة على التدخل العسكري الاريتري في جيبوتي المجاورة اثر خلاف حدودي لم يحسم بعد، كل ذلك وغيره شكل جسر عبرت منه عقوبات الأمم المتحدة على النظام الاريتري مطلع العام الجاري، وشكل بالنسبة لإثيوبيا انتصارا على الجبهة الدبلوماسية لجهودها المكثفة وسط المنظمات الإقليمية والدولية الفاعلة والتي بدورها شكلت جبهة ضغط على مجلس الأمن الدولي.في مقابل ذلك، لم تكن الحكومة الاريترية التي حشرت نفسها في زاوية معزولة في المنطقة غير قادرة على الدفاع عن نفسها، وهذا ربما مرده إلى ما اشرنا إليه في مقالة سابقة، بان النظام الاريتري والذي يقاطع ويستعدي جميع المنظمات والتكتلات الإقليمية والدولية أصبح من دون حلفاء وبالتالي عجز عن إيجاد مساحة تحرك في الفضاء من حوله ليصبح أسير نزعته الهجومية على الجميع غير مكترث لما حاق به من عقوبات أممية تكاد تفتك بشعبه قبل رموز سلطته.وقد يجد المراقب مبررا لمخاوف كثيرين من اندلاع حرب وفصل جديد فيما يسمى بـ”بمسلسل حرب الفقراء” بالنظر إلى التصعيد الإعلامي والدبلوماسي هنا وهناك كان مسرحه الأخير منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، بيد ان ذلك سيكون مستبعدا على الأقل في المستقبل المنظور لعوامل نذكر منها:إن الحكومة الاريترية لن تغامر هذه المرة في معركة جديدة ضد قوة إقليمية بحجم إثيوبيا تتحرك في سياق منظومة إقليمية ودولية، فذلك أصبح من قبيل تجريب المجرب أو إن شئتم “النطح على الصخر”، وقد ينطوي ذلك إن حدث على مخاطر جدية على نظام يواجه شبح أزمات داخلية قد تصل إلى حد تمرد المؤسسة العسكرية بشهادة منظمات دولية كما حذرت “الأزمات الدولية” مؤخرا والتي تزعم علمها بوعكات غير مشخصة يعاني منها نظام اسمرة تكاد تصرعه سقيما ان لم يهب المجتمع الدولي لإنقاذه.والعامل الآخر هو ان إثيوبيا والتي تريد هزيمة غريمها في اريتريا بتسجيل النقاط لا بالضربة القاضية هذه المرة، رسمت إستراتيجية مغايرة في سياسيتها وهي القتال على جبهة التنمية الاقتصادية والانكفاء عليها والخروج من توصيف المجاعة وعوز الفقر الذي عرفت به على مدى عقود، والشاهد أنها سجلت نسب نمو لا باس بها خلال السنوات الأخيرة وبشهادة المؤسسات الدولية، وبالتالي فهي لا تطرح خيار الحرب كما تقول هي إلا إذا كان ذلك في “مصلحة التنمية” التي بدأتها والمدعومة بإرادة وطنية.وعلى ضوء هذه المعطيات البسيطة، يستبعد الكثير من المحللين والمتتبعين لتطورات الأوضاع في المنطقة، أن يكون خيار المواجهة العسكرية أولوية بالنسبة للجانبيين..او لنقل إن المواجهات الدبلوماسية تفي بالغرض، وبالتالي ستظل الأزمة الحدودية قائمة تتفاعل في مسارات أخرى بعيدا عن الحرب لأنها لن تأتي بالنتيجة وهذه باتت قناعة راسخة لدى الأطراف وإلا فبماذا يفسر البعض هدوء الأوضاع في الشريط الحدودي بين البلدين لفترة ليست بالقصيرة بعد انتهاء عمل بعثة الأمم المتحدة هناك، وهذا مؤشر بان حالة الاّ حرب ولا سلام بين البلدين ستبقى للفترة القادمة، ويتمنى البعض من الحادبين على مصلحة اريتريا أن لا يمنع ذلك نظام اريتريا من الانصراف نحو تنمية حقيقية كخيار مصيري واستراتيجي بدلا من المناوشات وتصدير الأزمات إلى المنطقة. هذا إلى حين بلورة الخيار او الطريق الثالث وهو حل النزاع القائم سلما دون اللجوء إلى العنف وهذا ممكن!* كاتب متخصص في شئون القرن الإفريقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى