مقالات

في وداع خجول للقائد النقابي أحمد الشيخ إسماعيل. بقلم/ جمال همد

29-Sep-2019

عدوليس ـ ملبورن

غادرنا المناضل النقابي العمالي أحمد الشيخ إسماعيل الفكي وهو يحمل غصته وقصته بعيدا عن رفاقه ورفيقاته ورفاق دربه النضالي ليطرح رحيلة المبكر عدد من الأسئلة المكررة والتي تزيد صدمتنا وتضخ المزيد من المرارة حول معنى النضال والإستقلال والرفاقية !.

رحل أحمد الشيخ إسماعيل بعد رحلة نضال دؤوب على طريق الحرية والإنعتاق سكب فيها عصارة جهده وزهرة شبابه كغيره من أبناء جيلة من مناضلي جبهة التحرير الإريترية وسائر فصائل الثورة الإريترية دون ان يحسبوا حساب المتغيرات السياسية والإنعطافات التاريخية ومآلات الإصطراع الداخلي في جسم الثورة ،التي فهم حينها بانه صراع تكتيكي لا يمس جوهر الصراع الإريتري مع العدو الرئيسي.
الثورة الإريترية التي إنطلقت في سبتمبر 1961 مرورا بكل فصائلها وبمختلف نسخها كانت تحمل مشروعا عاما لحركة تحرر وطني في مقابل الألحاق والضم ، أومشروع إثيوبيا الكبرى ، دون ان تتمكن من حمل مشروع ثقافي إنساني وقد دلت تجاربها ويوميات قياداتها في مختلف المراحل على ذلك ، غكان من الطبيعي ان بخلط الإستراتيجي البعيد المدى باليومي التكتيكي، كما ثبته تغلب وسيطرة الذهنية السياسية والأمنية المحضة على المشروع الإنساني الكبير الذي كان يضخ بإستمرار أسئلة العدالة والحقوق والديمقراطية وأسئلة الثقافة والتنوير، وإعلاء قيمة الإنسان ليس لكونه أداة في آلة الثورة بل فاعلا فيها ومنفعلا بها ومستهدفا منها.
لذلك ليس غريبا ان ترمي الثورة الإريترية بعدد من قادتها السياسيين والتنويرين في قارعة الطريق وليرفع صوت الشعار المعيب ” قطار الثورة سائر ولينزل من شاء منه في أي محطة ” ، في دلالة بائسة ان آلة القطار الجهنمية سائرة لا محال بهم وبغيرهم، ولتسود نعوت ” المتساقطون .. المتراجعون ..المتخاذلون” الخ لتتصدر القاموس السياسي الإستهلاكي للثورة.كما ان العديد من المنعطفات التي سُميت بالتاريخية أودت بحياةعدد كبير من القيادات التاريخية والمخلصين من أبناء الثورة، ليبقى هؤلاء طي صدور أبناء الشعب من حفظة وحراس التاريخ الثوري الناصع وليتجاوزهم التاريخ الرسمي الذي يكتبه الذين توهموا الإنتصار وتجاوز المنعطف!.
أحمد الشيخ إسماعيل الذي أنضم مبكرا لصفوف جبهة التحرير الإريترية تاركا مقاعد الدراسة تفتحت قدراته سريعا وبرزت قدراته التنظيمية والإدارية والسياسية والتي أتاحة له فرصة لشغل مواقع مهمة تحتاج للصبر والتفاني لخصوصيتها ، فكان ضمن مؤسسي الإتحاد العام لعمال إريتريا في إطار تنظيمي سياسي أولا ثم نقابي ثانيا في تعديل جوهري مخل حيث كان للنقابية ومصالح الفئة ان تسبق السياسي والتنظيمي ، وهذا ليس ذنبه ورفاقه من رعيل القيادات النقابية العمالية علي عثمان حنطي وإدريس حشكب وإبراهيم محمود قدم وغيرهم بل ما كان تعبيرا لما كان سائدا في تلك الفترة من سياسات وتوجهات فكرية يسارية الطابع ولا زالت تسود معظم التجارب الإيديولوجية ( يسارية لينينة قومية عربية .. إسلامية بكل مللها ). ولا زالت تلك الذهنية تلقي بظلالها على حاضرنا.
لعب الفقيد مع رفاقه في تأسيس حركة عمالية إستطاعت تأطير العمال الإريترين في مختلف مدن الشتات الإريتري ليبرز الإتحاد كقوة جماهيرية دعمة للخط السياسي لجبهة التحرير الإريترية وفصيلا طليعيا حسب التعريف في تلك الفترة.
بعد المؤتمر التأسيسي للإتحاد أختير أحمد الشيخلإدارة مكتب علاقاته الخارجية وقد إستطاع نسج علاقات نضالية مع عدد كبير من الإتحادات النقابية العربية أثمرة عن أشراك كوادر الإتحاد في الدورات النقابية والسياسية التي كان ينظمها الإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ومنظمة العمل العربي في المعهد المركزي للتدريب النقابي بدمشق.
كما لعب الفقيد ومكتبه في تقديم حلول جذرية لعدد من المشكلات التي كانت تواجه العمال الإريترين في السعودية والخليج العربي ، كما كان لمكتبه دورا ملحوظا في إيجاد فرص عمل في بعض البلدان العربية.
خلافات قيادة الجبهة وحزبها السري العاصفة التي ضربت جبهة التحرير الإريترية في مقتل وأستغلتها قيادة الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا الإستغلال الأمثل ليواجه المشروع الكبير سؤال البقاء في صحاري الحدود الإريترية السودانية الشمالي ولينصرف مكونات التنظيم كيفما أتفق ولتستعر الحروب الصغيرة بين مكوناته وقادته لتحرق كل ما تبقى من مسارات التلاقي ، حينها ألتفت الرفيق القيادي بنبل المناضل إلى نفسة وأسرته بعيدا عن نيرات الخلافات الشخصية وتفرغ لأسرته وهو يطوي في صدره صفحات مشرقة ونبيلة لمناضلي جبهة التحرير الإريترية عامة ولرفاقه العمال ، وليخوض نضالا آخر بين السوق العربي بالخرطوم حيث يعمل وحي الحاج يوسف حيث تقطن أسرته الصغيرة.
أعتزل ود الشيخ إسماعيل أضطراب العلاقات وإختلال منظمومة التي العمل التي يعمل ضمنها والتي سادت حينها.
لم يرجع للمربع الأول حيث إلتجأ البعض ولم يقف في منزلة بين المنزلتين ليأكل في كل الموائد ، بل لملم أوراقه وعاد لأسرته الصغيرة وكرس ما تبقى من الجهد لرعاية زهراته الثلاثة ( سبأ وسماح وسمر ) ورفيقة حياته السيدة محاسن علي جامع ولينخرط في تصاريف الحياة اليومية.كُنت ألمحه وهو خارج من الجامع العتيق بالسوق العربي في عصريات الخرطوم ، كان يبدو تعبا ومرهقا دون ان يفقد نضارة وجهه التي تستقبل الناس بحفاوة يتبعها عدد من الأسئلة عن بعض رفاقه وأوضاع المعارضة ثم يتجاوزك للحاق بما تبقى من الوقت.
أحمد الشيخ إسماعيل لم يكن تاهيا ولا وحيدا برغم حزنه ، بل كان حييا وسمحا وممتلئا بنضاله فخورا به ، كما لم ينظر للخلف بغضب بل مشدودا للمستقبل لزهراته الثلاثة.رحم الله أحمد الشيخ إسماعيل.
وداعا أحمد الشيخ إسماعيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى