خطوة أولية نحو التوثيق

       بقلم/  احمد ابو تيسير

في مثل هذا الوقت من العام الماضي وبمناسبة الذكرى الـ 50 لمذبحة (دقي ادي اتبا) كتبت مقالة عن ملف الجرائم الاثيوبية في ارتريا خلال ثلاثين عام من الاستعمار البغيض وتساءلت لماذا لم يتم توثيق تلك الجرائم حتى الآن؟ وبعد فترة قصيرة من نشر المقال اتصل بي أحد الاخوة مشكورا ودلني على كتاب صدر عن دار الأمانة للنشر بلغة التجرينية تحت عنوان “الجريمة“.

احتوى الكتاب على عدد من المقالات التوثيقية للجرائم التي نفذها الجيش الاثيوبي من قتل وحرق وتدمير للقرى والبلدات الارترية خلال ثلاثين عاما. وهي محاولة بلا شك تستحق الإشادة والتقدير لأنها تعتبر خطوة أولى نحو التوثيق الذي نطمح اليه.  ومن بين تلك المقالات واحدة توثق لتلك الجريمة البشعة التي ارتكبها الجيش الاثيوبي في قرية (دقي ادي اتبا) بوادي عنسبا في الـ 29 من سبتمبر عام 1971. اعد تلك المقالة الأستاذ محمد سعيد حامد من خلال العودة الى المراجع واجراء مقابلات مع عدد من شهود العيان. وبمناسبة الذكرى الـ 51 لمذبحة (دقي ادي اتبا) ارتأينا ان نقدم لكم ترجمة لتلك المقالة لما احتوته من معلومات توثيقية هامة. 

دقي ادي اتبا: حضارة 300 عام في 30 ثلاثين دقيقة

                                           محمد سعيد حامد

(دقي ادي اتبا) هي منطقة محاطة بسلسلة من الجبال تقع ضمن محافظة هبرو صعدا بمديرية هبرو. وتبعد محافظة هبرو صعدا اكثر من 80 كيلومترا الى الشمال الغربي من مدينة كرن. سكان هذه المحافظة هم من قومية التجري ويعتمدون على الرعي والزراعة في حياتهم المعيشية. الذرة العادية والذرة الرفيعة هي من أشهر المحاصيل الزراعية في هذه المحافظة الى جانب محاصيل أخرى مثل الفول والسمسم والذرة الشامية والكتان والبطيخ والقرع. 

في الأزمنة البعيدة كانت منطقة هبرو غنية جدا بالثروة الحيوانية من اغنام وماعز وابقار وابل. وكغيرهم من المجتمعات الرعوية فان سكان هبرو تربطهم علاقة عشق خاصة مع بهائمهم بحكم انهم يعتمدون عليها في حياتهم. ولان عدد القطيع الذي يملكه الفرد له دلالة اجتماعية تجد الكل مهتم جدا برعاية بهائمه والسعي لزيادة عددها. الحياة المعيشية تعتمد في الغالب على هذه البهائم ومنتجاتها من اللحوم والالبان والجلود وغيرها. ما تحصل عليه الاسرة من اللحوم والالبان والسمن يشكل مصدرا رئيسيا للغذاء بينما يتم شراء الحاجيات الأخرى من الاسواق مقابل بيع رأس او رأسين من البهائم. ومن القيم والعادات التراثية السائدة في هذه المنطقة ان البهائم تذبح أحيانا للكرامات ودفع السوء وابتغاء الخير. وإذا وُلد مولود جديد يتم استقباله بالذبائح والحليب والسمن كما تهدى له عنزة او بقرة كأول هدية في حياته. 

في المناسبات الدينية والتراثية تذبح البهائم للاحتفاء بها ولإطعام الضيوف والزائرين. اما إذا حدثت مشكلة بين طرفين أدت الى اضرار بشرية او مادية فان جبر الأضرار يتم عبر دفع عدد من رؤوس البهائم للمتضرر تهدئة للنفوس واتقاء للشر وإصلاح ذات البين. فوفقا للموروث والقوانين الاجتماعية المتعارف عليها تلعب البهائم دورا رئيسيا في إطفاء نار الفتنة وحلحلة المشاكل وتثبيت ركائز السلم الاجتماعي. 

لا يتوقف دور البهائم في كونها مصدرا للغذاء والدخل المالي فحسب بل يتعدى ذلك الى مجالات أخرى حيث تصنع العديد من الأدوات المنزلية من جلودها. فالقربة والسعن تصنع عادة من جلود الأغنام بعد دباغتها حيث تمثل الثلاجة الطبيعية لحفظ الماء البارد الزلال. كما يصنع الدلو أيضا من الجلد لاستخدامه في سحب الماء من أعماق الأرض سواء للشرب او السقاية. كما تصنع الأحذية أيضا من الجلود بأشكال مختلفة سواء للاستخدام الشخصي او للبيع. أيضا تصنع العديد من الاوعية مثل الخُرج والقُراف والجُراب من الجلود. ومن صوف الأغنام والجمال يصنعون غطاء يسمى محليا (شَمّت) للوقاية من البرد في موسم الشتاء. كما يستفاد من الجلود والصوف في صناعة أدوات الزينة وأدوات الزراعة. اما اللحوم والألبان ومستخرجاتها مثل السمن وغيره فلها استخدامات أخرى غير الغذائية حيث يستفاد منها أيضا في الأدوية البلدية والحال كذلك لمخلفات البهائم التي تخلط بمواد أخرى لصناعة عدد من الادوية البلدية.

كان الشيوخ وكبار السن هم من يوجه دفة الأمور من خلال تقديم النصح والمشورة الى المجتمع المحلي، حيث انهم يقومون بمهمة إدارة الشئون الدينية والاجتماعية من خلال التشاور فيما بينهم. 

اما الأطفال وبطبيعتهم الطفولية فكانوا يمارسون عددا من الألعاب المشهورة مثل القفز والمصارعة والسباق وغيرها من العاب، وفي نفس الوقت يساعدون اسرهم في بعض المهام. وفي المساء يتجمعون في خلوة شيخ القرية ويجلسون في شكل دائري حول نار موقدة لحفظ القرءان الكريم. في مثل هذه البيئة يتلقون أصول التربية السليمة ويتشربون من مبادئ العقيدة وقيم الاخلاق الحميدة ليصبحوا في الغد رجالا يرثون اباءهم. 

اما الشباب فكانوا يخضعون لنظام قانوني يسمى (ربعت ورازيت) ووفق هذا القانون يلتزم الشباب بالسلوك القويم والمساهمة في الإنتاج وحلحلة الخلافات بالتحكيم والتراضي والتدرب على انفاذ القوانين الاجتماعية ليصبحوا في الغد ولاة الامر على نهج ابائهم واجدادهم. 

الفتيات أيضا يشاركن الشباب في عدد من المناشط التراثية مثل حلقات الرقص والغناء المسموح بها وفق قيم المجتمع مما يضفي على الحياة رونقا خاصا. وهناك صبايا اشتهرن بنظم القصائد الشعرية والالحان العذبة التي تشكل تراثا ثقافيا تتوارثه الأجيال. اما الأمهات والى جانب مسئولياتهن المنزلية ورعاية الأطفال يساهمن بدورهن في المناشط الأخرى بما في ذلك تقديم النصح والمشورة في شئون المجتمع المحلي. صحيح ان عادات المجتمع لم تسمح بوقوف المرأة في مجلس الرجال للإدلاء برأيها ولكن وكما يقول المثل العربي (وراء كل رجل عظيم امراة) فأن المرأة كانت تلعب دورا في تقديم رأيها بشكل غير مباشر ومن ثم التأثير على القرارات التي تصدر في شئون المجتمع. 

ربما كان هذا الإرث الثقافي الاجتماعي موجودا أيضا في المجتمعات المحلية الأخرى ولكنه بلا شك عميق الجذور في منطقة هبرو بحكم ان اثاره ما زالت باقية حتى هذا اليوم. منذ مئات السنين أي منذ قبل وصول الاستعمار التركي الى المنطقة عُرف سكان هبرو بإدارتهم المركزية وقوانينهم التي تنظم الحياة الاجتماعية.

 تقيم في منطقة هبرو منذ اكثر من 300 عام اربع وعشرون قبيلة ارتضت العيش المشترك والتعايش مع بعضها البعض. صحيح ان عدد القبائل 24 ولكن كان هناك نظام إدراي مركزي وقوانين يلتزم بها الجميع. كانت اعلى سلطة في يد ممثل احدى القبائل يطلق عليه لقب “كنتيباي” ، وكان المركز الحضري للإدارة يغير موقعه على مر الأزمان لاسباب مختلفة ولكنه استقر أخيرا في منطقة (دقي ادي اتبا). لقد اختارت اسرة من عدتكليس ود مفلس كانت تتولى ادراة الحكم، منطقة (دقي ادي اتبا) لتكون مركزا حضاريا واداريا لعموم منطقة هبرو. في البداية كان اسمها (دقي قرقيس) ولكن تغير الاسم فيما بعد الى (دقي ادي اتبا) وهو الاسم الذي تُعرف به حتى هذا اليوم. التوريث كان هو النظام المتبع في إدارة الحكم. فإذا توفي الحاكم (كنتيباي) يرث ابنه او أخيه السلطة لتظل السلطة محتكرة في نفس الاسرة. 

يعتبر كنتيباي قرقيس هو المؤسس الأول للسلطة الإدارية ثم ورثه كنتيباي ابيب تلاه كنتيباي دافلا ثم كنتيباي سمرلعول ثم كنتيباي فديل ثم كنتيباي درار ثم جاء بعد ذلك كل من كنتيباي ازاز وكنتيباي قلايدوس وكنتيباي  نصرالدين وكنتيباي عتيل وكنتيباي  محمد نصرالدين وكنتيباي ادريس شيخ وكنتيباي محمد ادريس شيخ وكنتيباي محمود محمد نصرالدين(موت حري) على التوالي. 

في هذا النظام الادراي الذي امتد لاكثر من 300 عام، رغم ان الحكم كانت تتوارثه اسرة واحدة الا ان اختيار الوريث كان يتم بشكل ديمقراطي حيث جرت العادة على خلع الحاكم الذي عجز او فشل في القيام بمهامه لأسباب مختلفة او لم يقم بإدارة شئون المجتمع بالشكل المتفق عليه، حيث يجتمع الناس ويدلوا بأراءهم حول مثالب هذا الحاكم ومن ثم يتم اختيار أخيه او احدا اخرا من الأقارب ليتولى منصب (كنتيباي). 

كانت (دقي ادي اتبا) أحد المراكز الإدارية الثلاثة التي تشكل النظام الإداري في عموم الساحل الى جانب كل من نقفة وافعبت. وامتدت سلطة (دقي ادي اتبا) الى مناطق جغرافية واسعة من هبرو حيث كانت تتشكل من سبع دوائر إدارية محلية تابعة للمركز في (دقي ادي اتبا). وقد ظل هذا النظام الإداري ساريا حتى دخول الانجليز الى ارتريا. في عهد الإدارة البريطانية الغي هذا النظام الإداري وسُمح لكل قبيلة لكي تختار ممثلها حيث وزعت السلطة المركزية الي كانت في (دقي ادي اتبا) على 24 قبيلة لتتولى كل قبيلة إدارة شئونها بنفسها. وبحكم ان النظام الإدراي القديم كان ضاربا في الجذور لم يكن من السهولة التخلص منه بسرعة حيث ظلت اثاره موجودة لفترات لاحقة وظلت (دقي ادي اتبا) تلعب دورا ما وان لم يكن بالمستوى القديم حتى بداية السبعينيات. في العام 1971 فجأة اختفت (دقي ادي اتبا) من الوجود وأصبحت في خبر كان!!! ماذا حدث يا ترى؟ 

  سنة 1970 لم تكن كغيرها من السنوات في معظم انحاء ارتريا بل شهدت معظم المناطق جفافا ومجاعة اثرت على الحياة المعيشية للسكان ونفق عدد كبير من البهائم. وفي المجال السياسي شهدت الثورة الارترية احداثا وتغييرات غير مسبوقة حيث بدأت الانقسامات في صفوفها. وجاء العام 1971 مبشرا بموسم امطار غزيرة لينهي حالة الجفاف ويبعث الامل في النفوس. هطلت الامطار بغزارة وروي اديم الأرض حيث هب الفلاحون في زراعة أراضيهم فنمت المزروعات ووصلت مرحلة الثمار كما وجدت البهائم ما يكفيها من كلأ فاستعادت ما فقدته العام السابق. سكان هبروا الذين تعتمد حياتهم على الامطار الموسمية والبهائم تفاءلوا خيرا بموسم الزراعة الغزير فشكروا الله على هذا الفرج ومن ثم شرعوا في الاستعداد لموسم حصاد وافر وارزاق كثيرة.

خلال هذه الفترة كان المناضلون الذين يعارضون نهج قيادة جبهة التحرير الارترية يتلمسون البدائل الأفضل لمواصلة نضالهم حيث انشقت كل مجموعة عن جبهة التحرير وشرعت تبحث خيارات أخرى للتأطير من جديد. ولكن الطريق لم يكن سالكا امام هؤلاء المناضلين فهم من ناحية كان عليهم مواجهة العدو الأول المتمثل في الاستعمار الاثيوبي ومن ناحية أخرى كان عليهم التصدي لهجمات جبهة التحرير الارترية حيث مروا بفترة عصيبة جدا. اثنتان من المجموعات التي انشقت عن جبهة التحرير الارترية اتخذت من منطقة هبروا قاعدة خلفية لها بينما كان مقاتلوا جبهة التحرير الارترية يرابطون في الناحية الأخرى من هبرو تجاه وادي عنسبا. وكان سكان هبرو يعتبرون كل المناضلين من ابناءه يحث ظل يقوم بواجباته النضالية تجاههم وكان مقاتلو جبهة التحرير الارترية بشكل خاص يعتمدون على السكان في توفير الغذاء لهم. وربما يكون هذا سبب كافي يجعل العدو الاثيوبي ينظر الى سكان هبرو على انه شعب متمرد يحمي الارهابيين على حد وصفه.

مجموعة المناضلين الذين انفصلوا عن جبهة التحرير الارترية والتي شكلت فيما بعد جانبا من قوات التحرير الشعبية كانت تستعد لعقد مؤتمر توحيدي لها في ناحية (امبهرا) وهي منطقة تابعة لأراضي هبرو حيث تقرر ان يعقد المؤتمر في الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر عام 1971. وقبل أيام من بدء هذا المؤتمر كانت قوات العدو قد اشتبكت مع وحدات من كلا التنظيمين (جبهة التحرير وقوات التحرير) في منطقتي هبرو صعدا وهبرو طليم. كان العدو يعلم بانعقاد ذلك المؤتمر حيث حرك من نقفة وحدات خاصة لدعم قواته المشتبكة مع المقاتلين في هبرو ومن ثم العمل على افشال ذلك المؤتمر والانقضاض على وحدات المقاتلين. عندما وصل جيش العدو القادم من نقفة الى مدينة افعبت اصطحب معه أحد المواطنين ليستفيد منه كدليل على الطريق. عبرت هذه الوحدات الخاصة منطقة (عولي رييم ) ثم منطقة (قدحت) لتصل الى هبرو في 25 سبتمبر 1971. وبعيد وصولها مباشرة بدأت بشن هجمات على المقاتلين في منطقتي (قولاي ) و ( دنقل). هدير المدافع وفرقعات القنابل ولعلعة الرصاص وازيز الطائرات وما ينتج عنها من تردد الصدى في الجبال المحيطة جعل سهول هبرو تبدو وكأنها بركان قد انفجر. دب الرعب والخوف في كل شبر من ارض هبرو بشكل عام وفي (دقي ادي اتبا) بشكل خاص. كبار السن من النساء والرجال يصلون ويرفعون الادعية الى السماء توسلا للخالق حتى يحميهم من سوء العواقب. لم يعد الأطفال يلعبون كعادتهم بل جلسوا في بيوتهم الى جانب اولياء امورهم في انتظار ما يخبئه القدر. اما الشباب فانصب اهتمامهم على العناية بالبهائم والمزروعات بحذر ولم تكن هناك فرص للتجمع وتبادل أطراف الحديث كما يفعلون عادة. 

يزداد القلق يوما إثر آخر مع استمرار القتال حتى جاء غروب شمس يوم الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1971. في ذلك اليوم بدأت المعارك في الصباح الباكر جدا وظلت أصوات إطلاق النار تسمع طوال النهار ولم تتوقف الا مع لحظة غروب الشمس. 

كبار السن والاعيان كانوا قلقين جدا مما قد يخبئه لهم القدر فهم لا يدرون ماذا سيحدث في الغد ودفعهم ذلك الى الجلوس مع كنتيباي  محمود محمد نصرالدين (موت حري) حيث قالوا: ماذا لو ابتعدنا عن منطقة الجيش الاثيوبي واحتمينا هناك عند ذلك الجبل العالي (قزاني). فرد عليهم كنتيباي رافضا الاقتراح قائلا: ” انا لا يمكن ان احمل الأطفال والنساء واذهب، لا يمكن انأ أشرد هؤلاء المواطنين واهرب خوفا من الموت، سوف انتظر قدري هنا في مسكني وفي دياري. 

معظم الرجال في ذلك اليوم كانوا في مزارعهم ولم يتبقى في القرية غير الأطفال والنساء وقليل من الرجال. وباستثناء ابن كنتيباي وعائلته فان جميع سكان (دقي ادي اتبا) قرروا البقاء في ديارهم الى جانب كنتيباي. 

يوم الأربعاء التاسع والعشرين من سبتمبر 1971 كان يوما مختلفا عن الأيام التي سبقته. ففي الأيام السابقة كانت أصوات إطلاق النار تسمع عند الفجر وكأنها تسابق شروق الشمس أما في هذا اليوم فلم يسمع أحد صوت إطلاق النيران. وحدات المقاتلين من منتسبي قوات التحرير الشعبية التي كانت ترابط في (هبرو صعدا) ورغم انها وجدت متنفسا من القتال الا انه لم يهدأ لها بال حيث شككت فيما يخطط له جيش العدو. ومع انبلاج الفجر واستمرار توقف العدو عن إطلاق النار ازداد القلق أكثر حيث شرع مسؤولو تلك الوحدات في صعود القمم العالية لرصد تحركات جيش العدو. ومن خلال الاستكشاف تأكد لهم ان جيش العدو الذي كان يخوض القتال خلال الأيام الماضية لم يكن موجودا في مواقعه كما ان وحدات جبهة التحرير الارترية قد انسحبت باتجاه وادي عنسبا. 

اما في (دقي ادي اتبا) فقد كان السكان يطرحون نفس التساؤلات على بعضهم البعض عن أسباب توقف القتال وتنتابهم حالة من القلق. توقف إطلاق النار في حد ذاته جانب إيجابي ولكن يجب ان يدوم. شرع البعض في إقامة الصلوات ورفع الدعوات الى الله ليجعل هذه الهدنة دائمة وتنتهي تلك المعارك. لعله التفاؤل بنهاية هذه المعارك التي استمرت لعدة أيام جعلت الناس في (دقي ادي اتبا) ينسون تساؤلاتهم بسرعة ويتجهون الى أمور حياتهم المعيشية، منهم من انشغل بإعداد الإفطار ومنهم من اهتم بتناول القهوة الصباحية وآخرون اتجهوا الى أعمالهم ومهامهم اليومية التي انقطعوا عنها لمدة أسبوع مضى. الأطفال بدا لهم أن السلام قد استتب فحمل كل منهم لوحه ودواته وابريق الماء واتجهوا الى خلوتي تحفيظ القرءان، أي خلوة آل خليفة وخلوة الشيخ حامد. الشيوخ في الخلوتين أيضا حمل كل منهم سوطه وشرعوا يدورون حول الأطفال الذين جلسوا في حلقات دائرية ليستمعوا الى طريقة القراءة وتصحيح نطق الآيات القرآنية بين الحين والآخر. 

أما كبار السن فقد ظلوا في منازلهم يرفعون الأدعية لكي ينقضي هذا اليوم بسلام كما انقضت الليلة الماضية ويبعد عنهم الشر. الفتيات من جانبهن خرجن مبكرا في شكل مجموعات يمتطين الحمير باتجاه مورد الماء في وادي (ململت) لجلب الماء الصافي قبل ان يتقاطر الناس والبهائم على مورد الماء. الأمهات أيضا انشغلن بإعداد الإفطار والقهوة والمهام المنزلية الأخرى مثل ايقاد النار واعداد الطحين وتجهيز العصيدة او غيرها من المهام. 

اشعة شمس الشروق انطلقت من قمم الجبال العالية في (دبر معر) و(قزاني) وشرعت في الزحف ببطيء نحو (دقي ادي اتبا) والوديان المجاورة. في تلك اللحظات ولأن أشعة الشمس لم تكن قد وصلت الى (دقي ادي اتبا) بعد، فأن الرؤية لم تكن واضحة تماما. فجأة سمع الناس ثلاث طلقات من ناحية التلة المجاورة لـ (دقي ادي اتبا). عمت حالة من الرعب والفوضى في (دقي ادي اتبا)، أصوات السلاح التي كانت تخيفهم وهي بعيدة عنهم ها هي تُسمع في عقر دارهم. حاول البعض استكشاف ما يجري بالنظر الى اتجاه مصدر إطلاق النار حيث شاهدوا مناضلا يدعى (أبو دقن) وهو قائد فصيلة في جبهة التحرير الارترية ومعه اثنين من المقاتلين يجرون باتجاه وادي (عنسبا). هؤلاء المناضلون يعرفهم سكان (دقي ادي اتبا) لأنهم كانوا يترددون عليها للحصول على الطعام. كما يعرف السكان ان هؤلاء المناضلين وصلوا الليلة الماضية (عشية يوم الـ29 من سبتمبر حيث تم تزويدهم بالأسرة والأفرشة ليقضوا ليلتهم تحت شجرة التبلدي التي تستخدم في العادة كصالة لاستقبال ضيوف (دقي ادي اتبا). استدرك الناس ان المناضل ابودقن ورفيقيه أطلقوا ثلاث رصاصات فقط دون زيادة وشرعوا في الهروب ليتواروا عن الأنظار. وقبل ان يعرف أحد لماذا يهربون وما هو الامر المستجد، ظهرت مجموعة كبيرة من افراد الجيش الاثيوبي المدججة بالأسلحة من ناحية (اف ايدي) بالاتجاه الشرقي لـ (دقي ادي اتبا). وكانت طلائع ذلك الجيش قد وصلت بالفعل الى دقي ادي اتبا حيث مرت من امام منزل كنتيباي (موت حري) وانتشرت في القرية. منزل كنتيباي (موت حري) كان هو المنزل الأول من الناحية التي وصل منها الجيش الاثيوبي. كانت ابنة كنتيباي الصغيرة هي اول من لمح الجنود الاثيوبيين حيث هرعت الى والدها وهي مرعوبة قائلة: “ابي .. ابي لقد جاؤوا الينا”. خرج كنتيباي بسرعة من منزله بسرعة لتقصي الامر ولكنه لم يجد فرصة لمعرفة ما يجري حيث انهمر الرصاص على صدره من مسافة قريبة فسقط جثة هامدة على الأرض ليكون اول الضحايا بل كان اول صيد سمين للجيش الاثيوبي في إطار الهدف الذي جاءوا من اجله.

في الوقت الذي كان فيه المقاتلون في وحدات قوات التحرير الشعبية التي كانت ترابط في منطقة (هبرو صعدا) على بُعد سبعة كيلومترات من (دقي ادي اتبا)، يتفاكرون حول الوجهة التي اتجه اليها الجيش الاثيوبي المنسحب من دفاعاته سمعوا صوت إطلاق النار من ناحية (دقي ادي اتبا). في البداية ظن مقاتلو قوات التحرير الشعبية بأن الجيش الاثيوبي دخل في معركة مع مقاتلي جبهة التحرير الارترية وقالوا باستغراب” ان هؤلاء المقاتلين من منتسبي جبهة التحرير سيعرضون المواطنين الى المخاطر لماذا لا يبتعدوا قليلا عن المناطق السكنية؟” ولكن بعد دقائق شاهدوا النيران وسحب الدخان العالية تغطي سماء (دقي ادي اتبا) فاستدركوا ان المواجهة لم تكن مع مقاتلي جبهة التحرير بل ان جيش العدو ينفذ مذبحة ويبيد (دقي ادي اتبا) ويزيلها من الوجود. وبسرعة تحركت فصيلة لنجدة السكان في (دقي ادي اتبا) كان يقودها موسى محمد حامد (رابعة) وكان حينها أحد كبار المسؤولين لوحدات قوات التحرير الشعبية المرابطة في (هبرو صعدا). 

في منزل كنتيباي وقبل وصول الجيش الاثيوبي كان هناك 12 شخصا. وهم الى جانب كنتيباي نفسه زوجاته الاثنتان، وابنته الصغيرة واثنتان من زوجات ابناءه مع اطفالهن الى جانب أربعة رجال وامرأة كانوا يتبادلون أطراف الحديث في انتظار اعداد طعام الإفطار. 

عندما سقط كنتيباي جثة على الأرض عمت المكان فوضى وصراخ وعويل وكان تفكير كل شخص في تلك اللحظة كيفية إيجاد مخرج للنجاة من الموت المحقق. امسكت النساء بأطفالهن وحاولن الخروج من المنزل ولكن كل من يحاول الخروج كان يواجه وابلا من الرصاص. أدركت النساء بأن الخروج من الباب الامامي امر مستحيل لذا امسكن بأطفالهن وحاولن الخروج من الباب الخلفي ولكن هذا المخرج أيضا لم يساعد في الإفلات من الموت. زوجات أبناء كنتيباي استطعن الخروج مع أطفالهن من الباب الخلفي ولكن لم يسرن الا بضعة أمتار قبل ان يلاحقهن الرصاص فيسقطن على الأرض مع اطفالهن واحدا بعد الآخر. في لحظات معدودات قتل في منزل كنتيباي (موت حري) وحده، اثنا عشرة شخصا رميا بالرصاص او طعنا وتقطيعا بالخناجر (السونكي). 

قام الجنود الاثيوبيون بجمع الجثث التي تناثرت في فناء المنزل او في خارجه من خلال سحبها الى داخل احدى الغرف الكبيرة. البعض منهم لم يكن قد فارق الحياة بعد حيث اغلقوا الباب وأشعلوا النار في المنزل. وبحكم ان السقوف كانت من القش فإن النار اشتعلت بسرعة والتهمت المنزل الذي بداخله 12 جثة في دقائق معدودات. بعض الضحايا ممن اصطادهم الرصاص او تقطعت اوصالهم بالخناجر (السونكي) سالت منهم الكثير من الدماء ولكنهم كانوا مازالوا على قيد الحياة حين تم سحبهم الى داخل الغرفة الكبيرة وشاهدوا النيران تشتعل من حولهم ولكن لم يكن بمقدورهم ان يفعلوا شيئا او يحركوا اجسادهم فاحترقوا وهم على قيد الحياة. 

الشيخ حامد ود نافعوتاي هو واحد من سكان (دقي ادي اتبا)، كان يحظى بالاحترام والتقدير من الجميع لما كان له من مكانة دينية رفيعة. في اللحظة التي بدأ فيها إطلاق النار كان الشيخ حامد ود نافعوتاي في مكان اتخذه مسجدا على مسافة غير بعيدة من منزله حيث تم تسوير المكان بالحجارة وكانت المصلاة دائمة التواجد في هذا المكان. كان الشيخ حامد ساجدا عندما داهمته رصاصة جعلته يفارق الحياة فورا قبل ان يرفع رأسه من السجود. كان في منزله القريب من المسجد ثمانية اشخاص من افراد اسرته حدث لهم ما حدث لأسرة كنتيباي (موت حري) من قتل بالرصاص والخناجر وحرق للجثث داخل منزل الشيخ حامد. 

صالح ادريس كان قد قضى تلك الليلة في مزرعته فأفلت من الموت لكن زوجته وابنه قتلا في منزلهما سويا. عندما أصيبت الام كان تحتضن طفلها الذي أصيب هو الآخر ولكنه لم يفارق الحياة فورا ولم يكن بمقدوره ان يتخلص من يدي امه المتيبستين فسالت دماءه الى ان فارق الحياة هو الآخر وهو ما زال في حضن امه. 

زوجة محمد عثمان عتيل كانت حاملا في شهرها الأخير، حاولت الهروب مع حماتها واطفالها الثلاثة ولكن الرصاص كان بالمرصاد فسقطوا جميعا في وسط المنزل. اثنان من الأطفال والمرأة الحامل تم قتلهم طعنا بالخناجر. وبعد ان فارقوا الحياة قام الجنود القتلة بسحب الجثث ورميها في النيران التي تم اشعالها مسبقا. 

 زوجة عثمان ود نصرالدين اصابوها بطلق ناري وفي حضنها طفلها جعفر، فسقطت على الأرض دون ان تفارق الحياة، فانتزعوا منها طفلها جعفر ورموا به حيا في النار المشتعلة وهي تراهم بأم عينيها. تركوها في مكانها على قيد الحياة حتى تموت كمدا بالمشهد الذي رأته أي حرق ابنها وهو على قيد الحياة. 

محمود ود عتيل أصيب بالرصاص في فخذه حيث قام بربط مكان الإصابة بقطعة قماش لمنع النزيف ثم حاول ان ينقذ افراد اسرته من الموت ولكن الجنود لحقوا به وأطلقوا عليه المزيد من الرصاص فسقط مع اثنين من ابناءه قتلى في الحال. اما زوجته فقد اصابوها في رجليها كما اصابوا اثنين من ابناءه وتركوهم قبل ان يفارقوا الحياة وكانوا من بين الناجين من المذبحة. 

ادريس محمد فايد كان قد جاء من (اينحريش) الى (دقي ادي اتبا) بمناسبة وفاة أحد اقرباءه حيث قضى تلك الليلة في (دقي ادي اتبا) لكنه خرج مبكرا الى الموقع الذي ترك فيه ابله على مسافة من القرية. عندما شاهد من على البعد البيوت تُحرق والناس تُقتل وبدلا من الهروب والنجاة بنفسه عاد الى (دقي ادي اتبا) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فاصطدم مع الجنود وهو لا يحمل في يديه أي سلاح. عندما منعوه من المرور أحس بغضب شديد وتشاجر معهم ولكن لم يدم الشجار طويلا حيث أطلقوا النار عليه وكان مصيره مصير سكان (دقي ادي اتبا). 

الأطفال الذين كانوا في الخلوة يحفظون القرءان تفرقوا لحظة بدء إطلاق النار وفر كل منهم هاربا للاحتماء بأسرته. بعض الأطفال قتلوا في الطريق قبل ان يصلوا الى اسرهم. 

بدت (دقي ادي اتبا) وكأنها ساحة قتال. المشهد المخيف لألسنة النيران وهي تلتهم المنازل، صراخ الأطفال والنساء الذين يحاولون النجاة بأنفسهم، آهات وأنين الجرحى، مشهد الأجساد الآدمية التي تشوى على النار، ثغاء الأغنام وخوار الابقار ورغاء الإبل ومأمأة الخرفان ونهيق الحمير وصياح الدجاج ومواء القطط بفعل إطلاق الرصاص المستمر حيث بدا المكان وكأنه قطعة من جهنم. 

في ذلك اليوم أبيدت الكثير من الاسر. ومن بين الاسر التي تم ابادتها، عدهبتيس، عد اياي، عد فرج، عد قلايدوس، عد عتيل، عد نصرالدين، عد حامد ود نافعوتاي، عد خليفة، عد عجيل، عد يبتيت، عد فايد، عد شاوش، عد أكد، عد اشلك وغيرها اسر كثيرة جدا يصعب حصرها. 

لم يكن الضحايا من سكان (دقي ادي اتبا) فقط حيث قتل أيضا ثمانية اشخاص من الضيوف الذين قضوا تلك الليلة فيها. معظم سكان (دقي ادي اتبا) هم من قبيلة عد تكليس مع وجود قلة من القبائل الأخرى التي كانت تقيم فيها أيضا.

الجنود الاثيوبيون لم يفرقوا بين هذا وذاك بل صبوا جام غضبهم وحقدهم على الجميع، كانوا يقتلون كل من يجدونه ويشعلون النار في المنازل بحيث لم يتركوا منزلا الا واحرقوه. وبعد ان طافوا في القرية واحرقوا كل المنازل اقبلوا على النساء اللائي سقطن في العراء ليجمعوا منهن الحلي والذهب. كانوا ينتزعون الأساور والخواتم والحلي الذهبية الأخرى من الرقاب والانوف والأذان بالقوة ويحشرونها في جيوبهم وهي متسربله بالدماء.

كان حقدهم ليس ضد الآدميين فقط بل حتى الحيوانات لم تسلم منهم. وهم في طريقهم لمغادرة القرية مروا بالحظيرة التي ربطت فيها الخيول والبغال التابعة لكنتيباي (موت حري) في أطراف القرية فأطلقوا عليها الرصاص لتنفق في الحال. 

عندما وصلت كتيبة النجدة التي كان يقودها المناضل موسى رابعة كان الجنود الاثيوبيون قد أكملوا مهمتهم وغادروا (دقي ادي اتبا) باتجاه وادي عنسبا. ومن الأفضل القول بأن المقاتلين الذين جاءوا للنجدة لم يجدوا شئيا ينجدونه لان (دقي ادي اتبا) لم تكن موجودة. كان المشهد فظيعا جدا تقشعر له الابدان. جثث مترامية في كل الانحاء وعدد من الجرحى الذين حاولوا الابتعاد قليلا زحفا على الأرض ولكن خارت قواهم بفعل النزيف ففقدوا وعيهم وظلوا مستلقيين في مواقعهم، السنة النيران كانت تشتعل في بعض المنازل بينما احترقت المنازل الأخرى وتحولت الى رماد وفي وسطها الجثث المحترقة الي تفحمت واختفت معالمها. رائحة الجثث المحترقة كانت نفاذة حيث يصعب تحملها. مرت لحظات حتى يحتوي هؤلاء المقاتلون الصدمة التي أصيبوا بها كونهم بشرا، حيث لم يدروا في البداية ماذا يفعلون؟ وماذا يمكن إنقاذه؟ ولكن بعد مرور عدة دقائق استعادوا توازنهم النفسي واستدركوا ان عليهم انقاذ الجرحى الذين ما زالوا على قيد الحياة أولا ثم دفن الموتى. وعلى الفور قاموا بجمع الجرحى في موقع واحد لتقديم الإسعافات الأولية لهم وعندما شرعوا في دفن الجثث لم يجدوا أدوات لحفر القبور. أدوات الحفر من معاول ومقرفات التي كان يملكها السكان احترقت داخل المنازل. قاموا بإرسال مجموعة منهم باتجاه وادي عنسبا للحراسة بينما انكب الآخرون في حفر القبور باستخدام العيدان واغصان الشجر. بعد مرور وقت قصير انضم إليهم أحد سكان (دقي ادي اتبا) وهو محمد عثمان عتيل. كان محمد عثمان قد خرج من منزله فجرا لتفقد بهائمه التي كانت في ضواحي القرية. وعندما سمع إطلاق الرصاص وتصاعد الدخان في سماء القرية جاء مسرعا للنجدة ولكن بعد فوات الأوان.  وجد اسرته المكونة من ابناءه وزوجته ووالديه قد قتلوا جميعا واحرقوا داخل منازلهم. كانت زوجته إحدى الأمهات الحوامل اللائي تم بقر بطونهن بالخناجر. 

وبعد وقت قصير أيضا انضمت إليهم امرأة طاعنة في السن من سكان (دقي ادي اتبا) استطاعت النجاة عبر الاختباء بين الصخور. في البداية بدأت تبكي وتصرخ عاليا من هول المفاجأة ولكن بعد دقائق سألت نفسها قائلة: أي منهم سأبكي هذا ام ذاك؟ هذه ام تلك؟ ثم هدأت قليلا وشرعت في جمع وتكفين الجثث بقدر ما تستطيع. وبعد مرور نحو ساعتين انضم إليهم عدد من الرجال جاءوا من (هبرو صعدا) و(هبرو طليم) للمشاركة في عملية الدفن. 

كانت مهمة الدفن عملية شاقة ومقززة جدا. جثث متفحمة وأطراف متقطعة ولحوم بشرية كانوا يجمعونها ويضعونها في قطع من القماش والجوالات ويدفنونها في حفرة واحدة، قدروا بأن عددها وصل الى 69 جثة كانت عبارة عن اوصال متقطعة. أما الجرحى فقد تم نقلهم في البداية الى عيادة متواضعة تابعة لقوات التحرير الشعبية في منطقة امبهرا التي تبعد نحو 35 كيلومترا لتلقي الإسعافات الأولية وفيما بعد ذهبوا الى كل من كرن واسمرا لمتابعة الاستشفاء.

المزروعات التي كانت مبشرة خلال ذلك الموسم لم تجد من يحصدها فجفت وتساقطت من تلقاء نفسها، اما البهائم فهامت في العراء ولم يدري اين ذهبت. الناجون من تلك المذبحة بعض الأطفال الذين فقدوا ابائهم وامهاتهم وبعض النسوة اللائي فقدن ازواجهن واطفالهن وبعض كبار السن الذين فقدوا من كان يرعاهم. تفرق هؤلاء الناجون في مختلف الاتجاهات، منهم من لجأ الى خارج الحدود ومنهم من ذهب الى المدن ومنهم من توجه الى اقاربه في المناطق المختلفة. وهكذا تم اسدال الستار على (دقي ادي اتبا) منذ ذلك اليوم ولم يتذكرها أحد. 

قٌتل في هذه المذبحة البشعة 98 شخصا بينما أصيب 26 آخرون بجروح عميقة وخفيفة. 31 من الضحايا هم من الأطفال والصبية الذين تتراوح أعمارهم ما بين عدة شهور الى 18 عاما. و33 من الضحايا هم من الشباب والرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 الى 49 عاما. اما العدد المتبقي وهو 34 شخصا هم كبار السن الذين تزيد أعمارهم عن الـ 50 عاما. في هذا اليوم تم احراق 126 منزلا بكامل محتوياته الى جانب أربعة من المحال التجارية وخلوتي تحفيظ القراءان مع محتوياتها من الكتب الدينية بالإضافة الى العيادة. وهكذا تم الانقضاض على (دقي ادي اتبا) وتاريخها الحضاري الذي يمتد لنحو 300 عام في خلال 30 دقيقة فقط. 

محمد عثمان عتيل قام بجمع بعض كبار السن الذين فقدوا من يرعاهم وبعض الأطفال الذين فقدوا ذويهم وبنى لهم بيتا من القش في محاولة منه للاستمرار وإعادة الحياة الى (دقي ادي اتبا) مرة أخرى. وبفضل هذه الخطوة كبر هؤلاء الأطفال وأصبحوا رجالا تزوجوا وخلفوا بدورهم أطفالا مازالوا يعيشون حتى هذا اليوم في نفس المكان الذي أبيدت فيه اسرهم واهاليهم (دقي ادي اتبا). 

                                        *******

شارك في رواية هذه التفاصيل كل من:

• العميد موسى محمد حامد (رابعة)
• محمد عثمان محمود محمد نصرالدين
• محمد عثمان عتيل
• حامد محمود محمد (حفاش)
• نصرالدين محمود نصرالدين
• محمد حجاج محمد
• نصرالدين محمود محمد نصرالدين
• محمود على اديس شيخ
• فاطمة ادريس
• زينب محمود عتيل
• ادم على عمر اقيراي 
• محمود عثمان نصرالدين (حجراي)