مقالات

كلمة تأبينية في وداع الشهيد عبد الله إدريس :عيسى سيد محمد

15-Jun-2011

المركز

الأخوة رئيس وأعضاء منظمو تأبين القائد الوطني الرمز
عبد الله إدريس محمد سليمان
الأخوة رفاق الشهيد الإخوة الحضور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحب القراءة ولكن لست من هواة الكتابة وأتحاشاها وأفضل أن لا أحرج أحداً بقدر الإمكان ، ولكني أميل للصراحة وعدم المراوغة ولأني من الذين يسمون الألوان بمسمياتها وهذا يسبب للبعض إحراج وحساسيات كما أتهرب بقدر الإمكان من إلقاء المحاضرات السياسية لان البعض يحلل الكلام بحسب قناعاتهم وميولهم ومآربهم ويحرفونونه على أهواهم، وبالرغم من ذلك وجب عليّ أن أشارك في تأبين من أكن له كل التقدير والاحترام والإعجاب والوفاء المغفور له بإذن الله الشهيد البطل أبو إبراهيم .كثيرون هم الذين يعرفون الشهيد وكل من ناضل معه يجله ويحترمه وذلك لبساطته وتواضعه وشهامته ووقاره ، ولكن قليلون هم الذين يعرفون ميزاته معرفه تامة ولحسن الحظ ربما أكون من أحدهم وأعتز وأتشرف بذلك . من حسن الصدف أن أكون سكرتيره ومدير مكتبه ، عندما أبلغت بتلك المهمة ترددت في قبولها لأني أهوى واعتز بمهنتي . التقى بي الشهيدين القائد إدريس إبراهيم هنقلا والأستاذ جابر سعد وأصرا عليّ أن اقبل المهمة ، وعددا لي محاسن وميزات الشهيد وحساسية الاختيار ، وكوني مناضل لابد أن احترم وأتقيد بالتعليمات وقبلت ذلك برغم من أني لا أحب التقرب من السياسيين وخصوصاً العسكريين . وفي وقت وجيز تنامت علاقتنا وتوطدت الثقة بيننا وذلك لمرونته وتواضعه ونبل أخلاقه ‘ ولم اسمع منه طول المدة التي كنت معه كلمة سيئة لأنه يتمتع بالحلم وتهذيب يحسد عليه، كان يتعامل مع جميع طاقم المكتب بكل نبل وحصافة ولطف ، يبدو وكأنه ليس عسكرياً ، بل عالم نفساني يعرف ، من هو من ، ويفرض عليك محبته واحترامه . كان يتمتع بحس امني رفيع ولم يكن يعرف مسكنه وتحركاته إلا مسئول الأمن وحراسه وسائقه وأنا وربما بعض من القيادات العسكرية.كان عبدا لله شخص غير عادي يمتلك كاريزما وشجاعة وبشاشه وذكاء خارق وسرعة البديهة مما اكسبه قبول واحترام الجميع ولذا صار الأقدر والأجدر للقيادة. من لا يعرف بطولاته ومآثره وإنجازاته . كان حلمه وحدة الارتريين مسلمين ومسحيين ، وكان يقول سوف نطوي الانقسام الذي كان سلبي على مسيرتنا ، وكان همه أن يخلص شعبه من الظلم والطغيان وكان يقول على الشباب المثقف أن يستيقظ من السبات والتردد ويتبوأ مكانه الصحيح . كان وفياً لشعبه ووطنه وكان يتمتع بالعزة والكرامة والسمو عن الصغائر0لم يكن قبلياً بل كان وطنياً ، على سبيل المثال – لا الحصر – أيام التنظيم الموحد كان إبراهيم منتاي سكرتير الشهيد عثمان صالح سبي ، وحسين حامد فرج كان سكرتير عبدا لقادر جيلاني كما أن معظم طواقمهم المقربة إليهم كانت من مناطقهم . أما أبو إبراهيم فقد كان إدريس إبراهيم هنقلا مسئول الأمن، وكان حارسه الخاص الشهيد إسماعيل أزهري وهو من الجبرتا وحراس مكتبه كانا كل من محمد ود حاج وادم عافه وكلاهما من الماريا وكنت سكرتيره ومدير مكتبه وكان مساعدي ودي قشي ، وهو من شبق بين طاقمه لم يكن احداً من منطقته وهذا ما يثبت نزاهته ووطنيته وشموليته. كان القائد رحمه الله كريماً كان يصرف ميزانية المكتب بين المحتاجين من المناضلين الذين يأتون إلى المكتب لطلب المساعدة وكانت تنتهي في الأسبوع الأول ، ومن ثم نبدأ في الاقتراض . كان نظيف اليد وعفيف إذا أتيت إلى مسكنه في الصباح تجده يفطر على خبز ناشف وشاي وفي النهار يأكل العدس ، حياته في المدينة لا تختلف عن حياته في الميدان ، كان حراسه وسائقه يقولون: (فرض علينا حياة التقشف). كان عاطفياً للغاية ، بعد مواراة الشهيد هنقلا الى مثواه الأخير ألقى كلمة بليغة عدد فيها بطولات ومزايا وانجازات الشهيد هنقلا ، وعندما قال كان حريص على سلامتي وخائفاً عليّ ولكن يد القدر امتدت إليه ، انفجر بالبكاء وانهمرت دموعه بغزاره ، وإرتجف جسده كنت واقفاً بالقرب منه ولم أرى في حياتي دموعاً تسيل كدموعه عند تأبين الشهيد هنقلا ، حقاً كان منظراً حزيناً ومؤلما وللأسف البعض قالوا بأن عبد الله كان السبب في وفاته – سامحهم الله – كان هنقلا من اقرب المقربين إليه وكان يحبه ويعزه ويقدره ويفديه.كان رحمه الله ذكي جداً ، بل كان نابغة ، طلب مني أن أدرسه اللغة الانجليزية وخلال أسبوع أتقن الحروف وحفظ مفردات كثيرة ، وبداء يقراً ويكتب بسهوله. وللأسف مرض وسافر إلى الخرطوم ثم القاهرة للعلاج وبعد عودته انشق التنظيم الموحد ، وعليه توقفت من النضال وجمدت النشاط السياسي وطلبت منه كتابياً أن يستلم مني وثائقه ، وبعد أسبوع جاء إلى منزلي وحاول وبشتى الطرق أن أتراجع عن قراري ومكث في بيتي حوالي ثمانية ساعة وناقشنا بإسهاب في شتى المواضيع وعرض عليّ مشكوراً عدة مواقع في الداخل والخارج ولكن رفضت ، ودعني بتفاؤل كعادته وقال لي سحابة صيف وسوف تنقشع عاجلاً أم آجلاً وسوف نعمل سويا إن شاء اللهً. كانت من أعز وأجمل أيام عملي الوطني تلك المدة التي قضيتها مع الشهيد وأنا فخور بذلك. تركت الجبهة لأني ارفض الانشقاقات البغيضة ، كما تركت حركة الجهاد عندما انشقت. اجتمعت بي قيادتها التنفيذية عدة مرات ، وعرضوا عليّ – مشكورين – أشياء كثيرة ولكني رفضت ذلك.وكان أخر لقائي بالشهيد في القاهرة شهر 12 /1992م ‘ عندما علم بوجودي في القاهرة اتصل بي ودعاني إلى منزليه العامر وقابلني بالترحاب والبشاشة والود، والغريب في الأمر حتى في القاهرة حياته لم تتغير ، لأنه لا يؤمن بالمظاهر وحياة الترف ، أتيت إلى منزليه الساعة العاشرة صباحاً ومكثت معه حتى الساعة العاشرة مساءً ، الحديث معه لا يمل أسلوبه متحضر وراقي وعذب تحدثنا بصراحة في أشياء كثيرة عن الماضي والحاضر والمستقبل وكان متفائلاً للغاية وأخيراً ودعني قائلاً أتمنى أن لا تصدم بانشقاق الحركة وتهجر العمل الوطني وللأسف الشديد حصل ذلك في اقل من سنة.كنت أتمنى من العقلاء والخيرين من ذوي النفوذ في الحكومة الإريترية أن ينصحوا رئيسهم بإرسال طائرة خاصة لنقل جثمان الشهيد إلى وطنه الذي أفنى كل عمره من أجل عزته وكرامته. حتى لو كانت خلافات بين القائد الشهيد وبعد أصحاب النفوذ في الحكومة فقد انتهى ذلك بوفاته ، ولأكسبهم ذلك ثقة وود عدد كبير من الشعب الارتري في الداخل والخارج ولكنهم للأسف لم يذكروا حتى خبر وفاته في وسائل إعلامهم ، مع أنهم يعلمون علم اليقين مكانته عند الشعب الارتري العظيم ، يجب أن يعرفوا بان الغطرسة والعجرفة والعنجهية والاستبداد والعنف القهر لا يبني وطناً ، ولكن المحبة والتسامح والتعاضد والتكاتف والاحترام والحفاظ على الحقوق والعدالة والإنصاف والمساواة واللين والمعاملة الحسنه هي التي تبني الأوطان . وكما هو معلوم للجميع بأن الثورة تفجرت من أجل أن تكون لنا دولة قانونية ذات مؤسسات لا أن يحكمها وحش مستبد فاشي ونازي يؤمن بالهيمنة التامة على كل شئ وبدون استثناء . ولو استطاع لحرم الناس من الماء والهواء ولكن الحمد لله هذا ليس بيده . بل بيد الله الواحد القهار . وليس لنا أدنى شك بأن الله سوف ينتقم من هذا الدكتاتور الظالم عاجلا أم أجلا . ولا ننسى قول الله تعالى : وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ . وقال تعالى : فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ . كل أملي ورجائي على قيادة الشعبية أن لا تضيع المثل النبيلة التي تفجرت من اجلها الثورة قبل فوات الأوان. نصيحتي للارتريين عامة وللمعارضة خاصة أن ينبذوا التفرقة بين المسلمين والمسيحيين . قبل الثورة وبالرغم من عملاء أثيوبيا ومكائدهم الخبيثة كنا نعيش في وفاق ووئام وحتى الخلافات البسيطة بدأت تتلاشى بمرور الزمن ، ولكن للأسف الثورات عمقت السلبيات ورسختها ، وما يحصل الآن من إنشاء تنظيمات قبلية بدون استحياء ولا حياء ولا خجل ، فهو عمل سلبي ومستهجن ويجر إلى التشرذم والتشظي ، على كل رشيد نبذ القبلية والعشائرية والطائفية لأنها مدمرة وسهلة الاختراق وتؤدي إلى زوال المفهوم الوطني المقدس . وتقود إلى حساسيات وكراهية وتفرقه وشتات وليس الصومال ببعيد عنا . كلنا مكملين لبعضنا البعض ، وللنهوض بالوطن علينا أن نتطلع إلى رغبات الشعب الارتري . المواطن يريد دولة مؤسسات وقانون وأمن وأمان . ويريد دولة تكون جاذبة للجميع ودولة يتمتع فيها الجميع بالعدل والأنصاف والسلم والسلام والحرية والكرامة . ويجب أن يعلموا طغاة الحزب الحاكم . بأن حكمهم الدكتاتوري المتسلط الذي يرفض تقاسم السلطة ويحكم بحزب وهمي بدون مؤسسات ويكرس حكم العصبيات بالخداع والكرباج لمن يخالف ، ويزرع الجواسيس والمخبرين ويدمر ويقتل الثقة بين الموطنين . لا محال فإنه زائل !!! وكيف يطول عمر حكم انتفت فيه ثقة الأب بإبنه والأخ بأخيه والجار بجاره والصديق بصديقه والزوج بشريكة حياته ، وهذه هي الطامة الكبرى التي سوف تقصر حكم الظالم المستبد بإذن الله . وعلينا أيها الشعب الارتري العظيم بالتماسك وننبذ الفرقة والشتات وذلك للقيام بالمهمة المباركة ألا وهي وحدة الشعب ، علينا أن نفكر ونعمل لهدم البناء الخبيث الذي أقامه حزب الدكتاتور الظالم ، وموروث طغاة الاستعمار . وكما هو معلوم بأن الحكومة التي تحكمها قومية واحدة فهي مشلولة والمعارضة التي تتكون من أحزاب قبلية فهي بكماء وصماء وعمياء وتعاني من أعاقة تامة. وكما هو معلوم بأن في بلادنا الحبيبة قوميتين فقط ،وليس كما يقول البعض أكثر من ذلك ، لشق وتمزيق وتفتيت الصف المسلم ، نحن مسلمون ومسحيون فقط وعلينا أن نجد طريقة حضارية تجمعنا ولا تفرقنا تسعدنا ولا تشقينا تنشر بيننا المحبة والاحترام المتبادل وتبعد عنا الحقد والكراهية والظلم والتهميش. ولكن أبشروا بأن رياح آتية بإذن الله . كلنا نعرف بأن سبب معاناتنا ومأساتنا نابعة من الجهل ولابد من محاربته بشتى الوسائل، يجب أن نبداء ذلك بأولادنا ونبذل الغالي والنفيس لبناء جيل جديد مستنير . كما علينا أن نهتم برعاية وتشجيع أبناء جلدتنا الذين لا يستطيعون مواصلة دراساتهم العليا ، يجب أن نفكر بأننا لسنا مسئولين من أبنائنا وبناتنا فقط ولكننا مسئولين عن أبناء وبنات وطننا عامة ، ولنا طلاب وطالبات في شتى أنحاء العالم وخاصة في السودان وهم في أمس الحاجة إلى من يمد لهم يد العون ونرجو من الخيرين والمحسنين أن يسهموا في هذا العمل النبيل . علما بأن التعليم هو الاستثمار الأمثل والأفضل لمستقبل الوطن . ولحسن الحظ بأن جميع الحكومات السودانية وخصوصا الحكومة الحالية اهتمت وشجعت وسهلت قبول الطلاب الارتريين في جميع الكليات وبدرجات أقل مما يقبل به الطلاب السودانيين وذلك لمساعدة ورفع المستوى التعليمي للارتريين ، ولا يفوتني أن اثمن ذلك واشكرهم جزيل الشكر باسمي وباسم كل المهتمين في هذا المجال وجزاهم الله خير الجزاء . ويطيب لي أن انوه بجميع المهتمين بشؤون التعليم بأننا قد أنشأنا جمعية خيرية تهتم بشؤون الطلاب وتساعدهم على إكمال تعليمهم الجامعي . وتجاوب معنا عدد من الأخوة الخيرين وتكفلوا بمساعدة عدد من الطلاب والفقراء .ولهم منا جزيل الشكر والتقدير والامتنان . ونأمل من الأخوة الكرام المساهمة في هذا العمل المبارك وندعوهم بالتواصل مع الطلاب ومساعدتهم بطريقة مباشرة . ونرجو من الشباب المستنير أن يبادروا بالمساهمة والمساعدة لأن دورهم حتى ألان سلبي ، مع أنهم هم الأولى بهذا الدور المقدس . وكان الشهيد أبو إبراهيم رحمه الله همه تشجيع التعليم وتطويره والمساهمة على ذلك ، بعد حياة عامرة وحافلة بالعزيمة والصبر والمثابرة والحكمة والحنكة والبطولات والانجازات والآمال والتفاؤل رحل البطل الكبير عن دنيانا الفانية وسوف تبقى ذكراه في وجدان شعبه جيلاً بعد جيل .تغمده الله بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته مع النبيين الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ، وألهم آله وذويه ورفاق دربه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعونعيسى سيد محمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى